تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الصّفح والشّر الجذريّ.. هل يلتقيان ¿



المراسل الإخباري
07-11-2019, 07:27
http://www.qatarat.com/
أي مصالحة من العسير جداً إن لم يكن من المستحيل أن تمحي أثراً شاخصاً يستحضر المأساة ويجعلها شاخصة أمامهº ما يعني أن منطق التوافق مع تلك العذابات والجرائم والوحشية هو منطق مختل وعديم الأهلية والكفاءة والثقة..
الصفح والعفو والتجاوز مصالحة تقتضي النسيان وإعادة الأمور إلى طبيعتها وإلى ما كانت عليهº من هنا صعوبة تحقّقهº أيّ "الصفح"¡ ما لم يستوفِ شروطه الموضوعية¡ إن على المستوى الشخصي البسيط أو تجاوزته إلى مستويات أشمل وأوسع كالعلاقات بين الدول عموماًº القريب منها والبعيد على حدّ سواء.
ولا أتصوّر أن يبدي أي حصيف وعاقل تفاؤله وهو يرى الخيانات والغدر والدسائس والوقيعة ونكث العهود والوعود هي السمة الأبرز والملمح الأميز لسلوكيات بعض الدول التي اعتادت على منهجية الكذب والمداورة والمناورة والزيف بلا خجل أو حياء أو احترام للجوار أو القُرب المكاني والجغرافي وتداخل المصالح والعلائق والكثير من المشتركات الإنسانية التي تنظّم علاقات الدول ببعضها البعض.
ليس منّا من لا يعرف قصة المثل العربي الشهير: "كيف أُعاوِدُك وهذا أثر فأسِك¿"º هذا المثل يحضر بتساؤله الصادم المُربِك وبكثافته الدلالية والرمزية مع الحالة القطرية والإيرانية وكذا التركيةº حيث إن المناكفة والاستفزاز والافتئات والتدخُّل بشكل مستتر وخبيث هي سيدة المشهدº حضورها فاقع وصارخ ومثير للحنق والاشمئزاز. ولعل الفيلسوف الفرنسي الذائع جاك دريدا فطن لهذا الوضع الإشكالي واستحالة المصالحة والوثوق بمن غدر ونكث حتى وإن ظهر لنا في لبوس الأصدقاء الودودين الحريصين على تعديل السلوك ومسح الصورة الذهنية السلبية البالغة القتامةº فيعلِن دريدا فكرته مدويّة حول هذا الموضوع قائلاً: "إنّ صفح الجريمة التي لا تقبل الصفح يُعدُّ تحدّياً للمنطق الجنائي¡ إنه لا يتعلّق بالقانون أو السياسة أو المؤسسة¡ فهذه كلّها مفاهيم تقوقع الصفح داخل نسق مُغلَق متفق عليه سلفاً¡ فتضربه في الصميم¡ وتزيح عنه وشاح الاستحالة بما هو كذلك.
إذاً كيف يمكن الصفح ونسيان الجرائم البشعة التي تسبب فيها داعمو الإرهاب ومموّلوه وحاضنو رموزه ممّن استخفّوا بأقوامهم من الشرّيرين ذوي الأهواء والأعطاب النفسية المريعة¿ كيف يستقيم تجاهل الآثار الوحشية التي فتكت بالمدن ومقدرات الشعوب وبآثارها وقبلها الإنسان الذي خلقه الله لعمارة الأرض وبث الفكر الإنساني وقيم التحضُّر والتشارك الإنساني وإثمار الوعي والإبداع وفتح مسارب السرور والفرح والسعادة للشعوب¿
فالتسامح والصفح يقتضيان كما يقول بول ريكور أن تبقى الذاكرة يقظة ومتيقّظة¡ وتعيش الحاضر بصور الماضيº ومن أجل الصفح لا بد للذاكرة أن تعمل وتشتغل.
عليه فإنّ أي مصالحة من العسير جداً إن لم يكن من المستحيل أن تمحي أثراً شاخصاً يستحضر المأساة ويجعلها شاخصة أمامهº ما يعني أن منطق التوافق مع تلك العذابات والجرائم والوحشية هو منطق مختل وعديم الأهلية والكفاءة والثقة.
اليوم نشهد حالة تصدّع لجدران الثقة وتداعي العلائق وتهاوي القيم والأخلاقيات مما يصعّب جبر كسور الأنفس ومسح تبعات الإيذاء بشتى صنوفه ممن استمرأ تعاطي الشّر والاعتداء السافر على كلّ ما يمت للإنسانية والخير بصلة.
ما يحدث من هذه الدول الراعية للإرهاب والمقوّضة لأي جهد إنساني يروم خير البشريةº هو تكريس للعداوة وتوسيع دائرتها وتجذيرهاº وهو ما يضاف إلى أعباء ومهام الدول التي آلت على نفسها قيادة الأعمال المناصرة للكرامة الإنسانية والمفضية جهودها إلى خير ونماء وتنمية الشعوبº والذي تمثّل المملكة العربية السعودية أبرز نماذجهº رغم الجهود الشريرة المضادّة والمقاوِمة لكل فعل إنساني عظيمº وهي دول من قراءة لمسلكها السياسي نجدها متلبّسة بالذُّعر مما يهدّد وجودها بالاندثار ونضوب الموارد التي تسمح لها بترسيخ هويتها وأيديولوجياتها الراديكالية الممعنة في التطرف الأمر الذي يجعلها تمارس الاحتماء بالجرائم واقتراف الشرور والعنف والإرهاب المعممين على الدول عبر جيوبها ووكلائها وأذرعتها من المرتزقة المتخندقة معها في الأهداف والأيديولوجيا. وقد عالج أشيل مبمبي في كتابه "سايسات العداوة" هذا المبحث معالجة رصينة ومطولة لكن نستلّ منها تساؤل جاء على لسانه بالنظر إلى كل ما يجري فيقول:
هل ما زال من الممكن اعتبار الآخر شبيهي¿
وبعدما وضعنا على طرفي نقيض كما نحن هنا واليوم¡ على ماذا تتوقف بالضبط إنسانيتي وإنسانية غيري¿ أصبح حمل الآخر ثقيلاً إلى حد التساؤل عما إذا كان من الأفضل أن تكف حياتي عن الارتباط بحضوره¡ تماماً بقدر ما ترتبط حياته بحياتي¿ لماذا حيال الجميع وضدهم¡ يجب علي رغم كل شيء السهر على غيري¡ وتقريباً السهر على حياته¡ إذا كان لا يروم في المقابل سوى خسارتي¿ وإذا كانت الإنسانية في نهاية المطاف لا توجد إلا شريطة وجودها في العالم ومن العالم¡ فما السبيل إلى تأسيس علاقة مع الآخرين تقوم على الاعتراف المتبادل بنقاط ضعفنا ومحدوديتنا المشتركة¿




http://www.alriyadh.com/1765328]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]