المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما يتحدث الجاهلون!



المراسل الإخباري
07-29-2019, 02:18
http://www.qatarat.com/
التثاقف والحوار الجاهل والتعالي ثم تعقبها المصادرة أفسد علينا روح الثقافة التي كان يقودها طه حسين أو العقاد أو حتى الفلاسفة المسلمين الذين لم نرَ منهم مصادرة أو (فزلكة)¡ وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على حال واقعنا وحركته الثقافية المتخبطة واختلاط «الحابل بالنابل»..
هل واجه أحدكم حديثاً مع من يرشحون أنفسهم إلى رتبة شرف الكلمة¿ وهل اكتشفتم منذ الوهلة الأولى مدى ضحالة رؤوسهم¡ فيجبرونك على سماعهم¡ ثم يرفضون النقاش¡ في مصادرة قميئة¡ يقفلون بها كل باب للحوار الراقي!.
حقيقة الأمر أنه يصادفني كل يوم أناس من هذا النوع¡ ولا أدعي المعرفة¡ فلست بأحسنكم¡ ولا ألسنكم¡ فحب المعرفة يجعلني التقط كل كلمة كما يلتقط الورد من بين ثنايا الأشواك¡ لأني أظل دائماً أبداً في احتياج إلى هذا مهما كانت حصيلتي¡ فالوعاء يظل ناقصاً حتى يتسلم الله أمانته.
لكن ما دعاني لكتابة هذا المقال هو تفشي هذه الظاهرة¡ وكما أننا نحتاج إلى أن نسمع بعضنا¡ إلا أننا لا نقبل بالمصادرة¡ وهذا هو قانون الحوار مع الآخر حتى نصل إلى نقطة الاتفاق مهما اختلفنا. فللنقاش آداب¡ وللحوار سبل وطرائق لا يتقن مهاراتها¡ سوى من امتلك ناصية المعرفة - مهما كانت نسبية - ومعنى الكلام¡ وأولها فهم المصطلح وهذا أمر نادر الحدوث¡ وثانياً امتلاء الخزينة (الإطار المرجعي) بالمفردة ثم إلى أين تذهب وهو الأهم¡ ومن هنا يمكن إنشاء حوار حر ومفيد¡ يؤدي في نهاية الأمر إلى المعرفة الجمعية والقناعة لأي من الطرفين¡ وهو ما يسمى بـ (الاستنارة) وفي الدراما تسمى كشف المفارقةº فالموضوع شديد الشبه بصناعة الصراع الدرامي الذي تقويه مفردة حوار محكم الصنع¡ فيؤدي بدوره إلى التكشف. ولذا ونحن كمسرحيين وصناع الحوار نستطيع أن نفرز مكامن الضعف والقوة في الحوار الذي هو سادن الموقف.
لعلنا لا نزال محرومين من آليات الحوار وبراعة المحاورة¡ وخاصة أن كل من حمل لساناً في جوف رأسه أصبح يتحدث في كل الأمور بلا هوادة وأيضاً بلا تخصص أو مساندة معرفية شاملة لموقف يجب أن يكون قد أعد العدة له مسبقاً¡ فالمنصات فاضحة لا ترحم مهما حاولنا التنميق والتمظهر بجماليات الكلام وفخامة المفردة وتنوع المصطلح الذي نقذف به في غير موطنها¡ لا تزيد صاحبها إلا كشفاً عن ضحالته¡ كما قال الفلاسفة: تحدث لكي أعرف من أنت!
دعونا نتأمل حوار أحد الرسامين في برنامج تلفزيوني لنرى كيف يظهر الجهل في مكامن الألفاظ والمصطلحات الفخمة والتي لا يفقه هو كنهها فيقول: أقدم سيرياليتي للجائعين إلى الوعي وهناك الكثير من جائعي الوعي في النفوس. مزجت في أعمالي بين الفانتازيا والواقع بهارمونيكا أغلبها تكشف عن الميتافيزيقا...".
لسنا ضد الرأي بقدر ما نحن نحتاج إلى منطوق فاهم واعٍ يبرهن بكل السبل لإقناعنا في آخر المطاف¡ وفي حقيقة الأمر أن الاحتياج إلى الوعي لا يكون في النفوس كما يقول¡ بقدر ما يشكل الوعي ركيزة كبرى من ركائز ملكات التفكير¡ لتنوير العقل الجمعي وليس النفس¡ فالفارق كبير!.
كما أنه يقول مزجت بين أعمالي بهارمونيكا! والهارمونيكا ليست أسلوباً أو منهجاً فنياً إبداعياً¡ إنها آلة عزف موسيقية¡ فهل هو يستخدم آلة الهارمونيكا بدلاً من ريشته! بالتأكيد أنه يقصد الهارموني وهو تمازج المسارات اللحنية في الموسيقى في انسجام وتوافق¡ حتى تصل إلى (البولوفوني) وهو اختلاط ثلاثة مسارات لحنية في نسيج واحد والفارق كبير بين المعنيين.
إن هذا الرسام المتعالي والمتثاقف الذي لا أعرفه يكشف في حواره عن فقر ثقافي ومعرفي بالمصطلح فكيف يدعي أنه يقدم الوعي للجائعين¡ وفاقد الشيء لا يعطيه!.
إن هذا مجرد مثال لما نراه اليوم من التثاقف والحوار الجاهل والتعالي ثم تعقبها المصادرة وهذا ما أفسد علينا روح الثقافة التي كان يقودها طه حسين أو العقاد أو حتى الفلاسفة المسلمين الذين لم نرَ منهم مصادرة أو (فزلكة) وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على حال واقعنا وحركته الثقافية المتخبطة واختلاط "الحابل بالنابل".
فالكلام هو كائن حي متنامٍ¡ يتفجر بشكل عنقودي في ثنيات الزمن حتى يصبح دليلاً للأجيال حتى وإن كان كلام الجهال والمتثافقين والمتحذلقين ليصبح ميراثاً ثقيلاً سقيماً ومضللاً.
فما حال أمتنا ومستقبلها إذا ما كان حامل الأطباق لجياع الوعي على حد تعبيره لا يفهم ما يقول!
إن ما ساعد على هذا التفشي المقيت¡ هو كثرة قنوات الإعلام فأصبحت تبحث عن سد ثغور الحاجة في ملء الفراغ الإعلامي هذا أولاً. ثانياً هو قبولنا نحن وتمجيدنا لكل من تمنطق بكلام مزركش حتى وإن لم يفقه كنهه¡ فالساحة أصبحت لكل من قذف بردائه على الأرض. ثالثاً شح الناقد وإقصاء النقاد المحترفين المتخصصين عن وسائل الإعلام.




http://www.alriyadh.com/1768399]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]