المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما بعد الصحوة.. ثقافة التحول وثنائية «هم» و«نحن»



المراسل الإخباري
09-16-2019, 07:19
http://www.qatarat.com/
نحتاج اليوم إلى إعادة ترتيب الموقف للتخلص من ثنائية «هم» و«نحن»¡ إلى هوية وطنية وقومية خاصة ذات شعار مختلف يوحد الثقافة المجتمعية¡ ويرسم قدرتها على بناء مجتمع حيوي مزدهر متطور يبحث عن المستقبل..
من أساليب تغيير الثقافات في إطار أيديولوجي ذلك الأسلوب التدميري الهائل الذي يعمل على رفع مستوى الإحساس بالذنب بين عناصر تلك الثقافة تجاه موضوعات بعينها¡ ولكن هذا الإحساس يصبح الأشد عندما يرتبط بأيديولوجيا عقدية ليخدم تلك الأهداف التي يضعها منظرو تلك الثقافة¡ حيث يتم تصميم نماذج من الطقوس ويتم تكرارها في تلك الثقافة بشكل متواتر وعلى مراحل زمنية¡ بحيث تعكس تلك الطقوس أهميتها عبر ذلك التكرار¡ وتتمكن من أن تصبح في خانة القيم المقدسة وغير القابلة للتغير¡ حيث يرتبط هذا الإحساس بارتكاب الذنوب عند مخالفة تلك القواعد.
خلال العقود الأربعة الماضية عشنا كمجتمع مع النموذج الصحوي¡ وهو نموذج ثقافي لا يعاني أبداً من العفوية أو السذاجة¡ بل كان نموذجاً شاملاً لتغيير الثقافة المجتمعية¡ وتركيعها وفق قواعد أيديولوجية صارمة¡ ولعل من أكثر قواعد الهوية الصحوية وتأثيراتها قدرتها على بناء مسار ثقافي مؤدلج من أجل خلق إيمان بهذا المسار وبشرط صارم¡ بحيث يكون الإيمان والاندماج بهذا المسار غير مشروط¡ وهذا ما ساهم في تمكين ثقافة الصحوة من بناء ثنائية خطيرة في المجتمع قامت على تصنيف المجتمع إلى ثنائية "هم" و"نحن" من تبعية الصحوة أو عدمها.
هذه الثنائية جزء من عملية نفسية تستخدم في مجال بناء الأيديولوجيات بشكل عام¡ ولكن مع الصحوة اكتسبت ميزة تنافسية تمثلت في ارتباطها في قدرة الصحوة كمسار سياسي¡ بحيث بنت أهدافها وفق قواعد دينية وعقدية متناثرة في المجتمع¡ مما سهل استخدام تلك القواعد والقيم وإعادة بنائها بما يخدم المسار الأيديولوجي للصحوة.
هذه الثنائية خطيرة إلى درجة أنها أسهمت في شيطنة الأطراف المتقابلة على بعضها¡ وهذا في الحقيقة ما تم رصده خلال الأربعة العقود الماضية¡ حيث تمكنت الصحوة من بناء رموزها المجتمعية على شكل أفراد لا يدركون الحقيقة نفسها¡ مما منحهم القدرة على تدمير كل شي أمامهم سواء في المجتمع أو في مؤسسات المجتمع أو في الأسرة دون إحساس بالواقع¡ وهذا ما أنتج ضحايا الصحوة في المجتمع.
لقد كانت ثنائية "هم" و"نحن" الشعار السائد في مجتمعنا خلال الأربعة العقود الماضية¡ وكانت صفة التنمر الأيديولوجي من أكثر الصفات انتشاراً في أروقة المجتمع¡ حيث تم إنشاء قلاع من الطقوس والمعايير¡ تم بناؤها في كل زوايا المجتمع¡ نعم لقد حدث هذا بغض النظر عمن يدرك حقيقة ما يحدث أو يجهل ما يحدث¡ ولكن الحقيقة المؤلمة أن ثنائية "هم" و"نحن" ساهمت في ارتباك مجتمعي.
لم يكن أحد قادراً على تصور حجم العجلة التي أنشأتها الصحوة¡ ولم تكن حتى الأجهزة الحكومية بشتى أنواعها قادرة على التساؤل أو المواجهةº لأن أسلوب المواجهة المستخدم لدى الأيديولوجيا الصحوية لم يكن يفضل المواجهة مع المجتمع¡ بل كانت الصحوة تفضل اختيار ضحاياها من الأفراد مهما كانت مواقعهم في السياق الاجتماعي¡ وهذا يخلق الذعر ويجعل الأفراد في المجتمع يميلون إلى المحافظة على مواقعهم الاجتماعية والحكومية¡ والحقيقة أن التحليل الأعمق لمنهجية المسار الصحوي يتطلب ما هو أكثر من هذا المقال¡ وتحديداً في موضوع تمكن الصحوة من إزاحة المختلفين معها.
لقد تحول المجتمع وبمعظم أفراده وخلال أربعة عقود تقريباً إلى لاهثين خلف الرضاء المفقود¡ وأصبحت الطلبات المرتبطة بالفرد من سعادة أو تجارة أو منصب كلها تمر عبر درجة الإحساس بالذنب¡ فكلما زاد إحساس الفرد بالذنب وتقصيره تجاه متطلبات الصحوة وأيديولجيتها كلما ألقى اللوم على نفسه¡ مما يجعله يبحث عن طريقة أقسى لمعاقبة نفسه¡ وهذا ما ساهم في وصول بعض الأفراد إلى درجة الانحراف الفكري وممارسة الأعمال العدائية التي ارتبطت بمعادلة نفسية تقول: "إنه كلما زاد ولاؤك للأيديولوجيا كلما زادت قدرتك على التضحية"¡ ولو كان ذلك على حساب مجتمع بأكمله.
هكذا عشنا خلال العقود الماضية مرتبكين في ثقافة أنتجت ثنائية "هم" و"نحن"¡ ولم يكن أحد من أفراد المجتمع بقادر على أن يخرج من هذه الثنائية على أقل تقدير أمام المجتمع¡ وكثير منا مارس التنقل بين "هم" و"نحن" ولكن في خلوة نفسيةº لأن من يمارسها على الملأ قد يتعرض إلى تدمير¡ وتمارس عليه شيطنة وتنمر يؤديان به بلا شك إلى التدمير¡ نحن اليوم ننجو من تلك الثقافة إلى ثقافة ما بعد الصحوة¡ ولكننا نحتاج إلى إعادة ترتيب الموقف للتخلص من ثنائية "هم" و"نحن"¡ إلى هوية وطنية وقومية خاصة ذات شعار مختلف يوحد الثقافة المجتمعية¡ ويرسم قدرتها على بناء مجتمع حيوي مزدهر متطور يبحث عن المستقبل.




http://www.alriyadh.com/1776953]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]