المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أنثروبولوجيا القرابة وأنماط العمل



المراسل الإخباري
10-05-2019, 13:41
http://www.qatarat.com/
بصورة أساسية "أنثروبولوجيا القرابة" يمكن أن تقودنا إلى فهم أنماط توزيع العمل¡ وتساعدنا على فهم تطور ثقافة شبكة العلاقة ودوائر القرابة¡ التي عادة ما تجعل من توزيع العمل محصورًا في فئات اجتماعية¡ ليس بالضرورة أن يكونوا من ذوي الكفاءة..
إحدى القضايا التي يُعنى بها علم الأنثربولوجيا هي "صلة القرابة"¡ والحقيقة أن هذا العلم يرتكز على فهم وتفكيك هذه العلاقة التي تميز الإنسان وتحدد جميع مناشط حياته¡ ولعل أكثر من أسهم في هذا الاتجاه هو الأنثروبولوجي الفرنسي "كلاود ليفي ستراوس"¡ الذي وضع أسس "الأنثروبولوجيا البنيوية"¡ وركز على ظاهرة "صلة القرابة" كمكون للمجتمع الإنساني¡ وبالتالي فإن أي ظاهرة اجتماعية هي ضمن صلة القرابة بشكل أو بآخر. ومن الواضح أن المجتمع الإنساني المبكر الذي كان قائمًا على القرابة في تكوينه الأساسي ما زال فعالاً إلى يومنا هذا¡ بل إنه ما زال يعمل داخل أكثر المجتمعات تطورًا. الإشكالية الكبرى هي أن هذه الظاهرة لا تتوقف عند مظاهرها البسيطة المباشرة¡ التي تحدد علاقة كل إنسان بالآخر¡ سواء داخل الأسرة البسيطة أو المجتمع الكبير¡ بل إنها تتعدى ذلك لتشكل المحتوى الثقافي¡ وتحدد أنماط العمل وكثيرًا من مظاهر النشاط الاقتصادي عمومًا¡ كما أن هذه الظاهرة تظهر في المجتمعات الريفية والقبلية البسيطة¡ التي لم تطور نظمًا اجتماعية مبنية على القدرات التي يملكها الأفراد¡ وليس قوة التكتل الجماعي الذي يميز عادة المجتمع الجمعي.
بصورة أساسية "أنثروبولوجيا القرابة" يمكن أن تقودنا إلى فهم أنماط توزيع العمل¡ وتساعدنا على فهم تطور ثقافة شبكة العلاقة ودوائر القرابة¡ التي عادة ما تجعل من توزيع العمل محصورًا في فئات اجتماعية¡ ليس بالضرورة أن يكونوا من ذوي الكفاءة¡ لكنهم يملكون الحظوة الاجتماعية¡ من خلال "صلة القرابة" التي تجمعهم بمتنفذين قادرين على حصر الأعمال الرئيسة في المجموعة المرتبطة بشبكتهم الاجتماعية. إنه نوع من الفئوية والاحتكار¡ الذي عادة يربط الاقتصاد بشبكة القرابة¡ من خلال حصر أنماط العمل الأساسية على مجموعة معينة في المجتمع¡ وهذا له دون شك تبعاته الاقتصادية وتداعياته الاجتماعية الكبيرة على المدى الطويل¡ كما أنه يضعف البنية الاقتصادية¡ ويهدر الكفاءات التي يمكن أن تنشأ في المجتمع¡ والتي عادة لا تجد لنفسها فرصةº لأنها خارج دائرة الشبكة الاجتماعية ذات الحظوة.
دون شك فإن فهم "صلات القرابة" وما تولده من ثقافة اجتماعية قائمة على الانحياز واللاموضوعية¡ قد يقودنا إلى فهم ظواهر ثقافية وتاريخية لها ركائز عميقة في أغلب المجتماعات حتى المتقدمة منها¡ التي لا تخلو أبدًا من هذه الأنماط "القرابية" التي تُحدث خللًا في العدالة الاجتماعية¡ لكنها في هذه المجتمعات محكومة بالقانون الذي يجرم الانحياز "القرابي"¡ خصوصًا إذا ما كان على حساب باقي أفراد المجتمع¡ بينما في المجتمعات التي لم تخرج بعد من "ريفيتها" و"قبليتها"¡ فيصعب التحكم في هذه الظاهرةº لأن القوة الجمعية للمجتمع تتفوق على النظام والقانون¡ بل في كثير من الأحيان تحدد كيف يطبق النظام¡ ما يجعل هذه المجتمعات هشة وغير قادرة على الاعتماد على قدراتها الذاتيةº لأن هذه القدرات غير متوازنة¡ وتهمش فئة واسعة في المجتمعº لذلك فإن "أنثروبولوجيا القرابة" تؤكد أن المجتمعات ذات الهوية الجمعية تقودها دوائر القرابة المتنفذة¡ وتحدد إطارها الاقتصادي¡ وتتحكم في توزيع العمل الذي غالبًا ما يكون حصرًا عليهم كلما اقتربنا من المركز¡ وهذا بالطبع يمكن أن ينفع في المجتمعات الصغيرة المعزولة.
في واقع الأمر¡ يمكن وضع تصور أن الخروج من أي مأزق لاحتكار العمل¡ وبالتالي تراجع الكفاءة الاقتصادية نتيجة لإبعاد الكفاءات الحقيقية عن الأعمال المؤثرة¡ يبدأ بتفكيك القوى الصامتة المتنفذة التي صنعتها صلات القرابة في أي مجتمع¡ وبالتالي تحرير شبكة العمل من "النفوذ"¡ وتفكيك التكتلات التي بنتها هذه الشبكات في السابق. في اعتقادي أن أحد مظاهر النمو الاقتصادي يبدأ من تعزيز الكفاءة الفردية¡ ومواجهة "نفوذ صلة القرابة"¡ من خلال إعادة بناء المجتمعات ثقافيًاº إذ ليس من المتوقع أن يتطور مجتمع يقوم أفراده بمناصرة أقربائهم بحق ودون حق. يبدو لي أن هناك فهمًا خاطئًا في معنى "الأقربون أولى بالمعروف"¡ ويظهر أن هذا الخطأ تعاظم يومًا بعد يوم حتى أصبح هو الأساس¡ وما يخالفه هو الشاذ.




http://www.alriyadh.com/1780401]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]