المراسل الإخباري
11-23-2019, 21:35
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
قضية المسجد كبيرة جدًا وأبعد بكثير من مجرد صراع فكري بين متشددين تقليديين وحداثيين متحررين¡ بل هي قضية مرتبطة بالبيئة والمحافظة على المصادر غير المتجددة وإعادة تعريف المجال الحضري..
تنظم جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد مؤتمرها العالمي الثاني في كوالالمبور هذا الأسبوع (الاثنين 25 نوفمبر) حول عمارة المسجد في العالم والتوجهات المستقبلية التي يفترض أن تسلكها. ويبدو أن مفهوم المسجد¡ رغم بساطته من الناحية الظاهرية¡ إلا أنه يمثل اعتبارات فلسفية وعمرانية وحتى سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة. للتحضير للمؤتمر تم عقد ورشة عمل حول المساجد في ماليزيا في العاصمة الإدارية "بتروجايا" بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية "جاكيم" يوم الأربعاء الفائت (20 نوفمبر)¡ وقام البروفيسور "أدري نوح"¡ وهو أستاذ في الدراسات الإسلامية¡ بطرح فكرة لفتت انتباهي حول المسجد كونه "رحمة للعالمين"¡ وأشار إلى أن كلمة R A H M AH باللغة الماليزية تعني "Rahma الرحمة" و"Aman الأمان" و"Hormat الاحترام” و"Mesra المسرة" و"Alami البيئة" وأخيرا "Harmoni الانسجام". والحقيقة أن محاولة الربط بين هذه الكلمات وبين المعاني العميقة التي يمكن أن يعكسها المسجد تشير إلى أهمية البحث في البعد الفلسفي للمسجد الذي يبدو أنه غير مطروق كثيرًا في ثقافتنا العربية.
ذكرت للبرفيسور نوح أن هذه الرؤية الفلسفية شاملة¡ وتؤكد على البعد الثقافي العميق للمسجد¡ وأكدت له أن حروف كلمة "رحمة" بالعربية ممكن أن تعكس أبعادًا مشابهة¡ فالراء "رحمة" والحاء "حياة" والميم "ملتقى" والتاء "تواصل"¡ وبصرف النظر عن الكلمات العديدة ذات المعاني الواسعة التي يمكن أن يشير إليها المسجد¡ فالقصد هو أن هناك أبعادًا كامنة لم تكتشف بعد في عمارة المسجد والمعاني المرتبطة بها¡ نتيجة للنظرة التقليدية التي حبسنا أنفسنا داخلها ولم نحاول الخروج منها¡ ونأمل من مؤتمر كوالالمبور أن يثيرها.
في الوقت نفسه والمكان نفسه تجمع عدد من المتخصصين من مناطق مختلفة في العالم لمراجعة وتحكيم المساجد المرشحة للجائزة¡ وهي 27 مسجدًا من مختلف العالم الإسلامي¡ سيتم اختيار عدد منها للفوز بالجائزة¡ وستقدم لها الجوائز في احتفال سيقام في الرياض - بإذن الله - يوم 2 مارس برعاية سمو أمير الرياض وحضور الأمير سلطان بن سلمان. والحقيقة أن قضية المسجد كموضوع عمراني معاصر مرتبطة بالسياقات الفكرية النقدية المعمارية في وقتنا الراهن لم تكن غائبة عن المجتمعين الذين يمثلون مناطق وثقافات مختلفة من العالم¡ ويبدو أن المسجد كقضية سياسية خصوصًا كانت حاضرة في النقاش بشكل لافتº لأن بعضهم كان يرى أنه يصعب فصل المسجد عن السياسة حتى من الناحية التاريخية.
المثير للانتباه في كثير من الحوارات التي سمعتها خلال الأيام الأخيرة¡ أن هناك حراكًا فكريًا مرتبطًا بالمسجد بشكل عام وبعمارته بشكل خاص¡ وأن الجدل حول هذه العمارة¡ في بعدها الثقافي والديني هو جدل بين توجه تقليدي متشدد يرى المسجد قبة ومئذنة¡ وبين توجه نخبوي متحرر من التقاليد يرى أهمية الخروج من عباءة التقليدية¡ بينما تقف السياسة في الوسط بين تقليدية وتحديث المسجد¡ فمثلاً المساجد في الشيشان - كما يقول البروفيسور الروسي "أيفيم رضوان" - جميعها سياسية¡ ويضرب مثلاً على ذلك بمسجد "أرجون"¡ ويؤكد رضوان أن المسجد الآن في الشيشان يمثل حضورًا رمزيًا سياسيًا تدور في فلكه جميع محاور التنمية العمرانية. هذا البعد السياسي لا يقتصر على الشيشان وحدها¡ ولكن هناك ارتباط وثيق بين السياسة وعمارة المسجد¡ نشأت في وقت مبكر¡ وأسهمت في تحديد توجهه المعماري في الأغلب.
ومع ذلك فإن هذه المنطقة من الحوار شائكة ويتجنبها كثير من المهتمين بعمارة المسجدº كونها حساسة من جهة ومن جهة أخرى كون المسجد في الأساس مكانًا له حضور وقداسة مركزية في المجتمع الإسلامي¡ لكنه كان على الدوام المكان الرمزي والمرجع الذي يحدد حدود الثقافة¡ ويحرك أي توجهات فكرية في المجتمعº لذلك فإن سيطرة "السياسي" على المسجد تعني بشكل أو بآخر سيطرته على أي حراك فكري وثقافي في المجتمع. على أن ذلك الدور للمسجد كان في السابق ولم يبق من ذلك الدور الكثير¡ فلماذا يرى البعض أن البعد السياسي للمسجد ما زال مؤثرًا وموجهًا لعمارة المسجد¿
هذه الأسئلة قد تكشفها بعض حوارات المؤتمر¡ لكن بكل تأكيد قضية المسجد كبيرة جدًا وأبعد بكثير من مجرد صراع فكري بين متشددين تقليديين وحداثيين متحررين¡ بل هي قضية مرتبطة بالبيئة والمحافظة على المصادر غير المتجددة وإعادة تعريف المجال الحضري¡ كما أنها قضية تشير إلى التقاء الناس وترابط المجتمع. مجموع هذه القضايا التي هي موضوع مؤتمر الاثنين المقبل هو ما تشير إليه كلمة "رحمة"¡ فالمسجد هو مكان للحياة¡ وملتقى يتواصل فيه الناس للتراحم وللبحث عن الرحمة.
http://www.alriyadh.com/1789275]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
قضية المسجد كبيرة جدًا وأبعد بكثير من مجرد صراع فكري بين متشددين تقليديين وحداثيين متحررين¡ بل هي قضية مرتبطة بالبيئة والمحافظة على المصادر غير المتجددة وإعادة تعريف المجال الحضري..
تنظم جائزة عبداللطيف الفوزان لعمارة المساجد مؤتمرها العالمي الثاني في كوالالمبور هذا الأسبوع (الاثنين 25 نوفمبر) حول عمارة المسجد في العالم والتوجهات المستقبلية التي يفترض أن تسلكها. ويبدو أن مفهوم المسجد¡ رغم بساطته من الناحية الظاهرية¡ إلا أنه يمثل اعتبارات فلسفية وعمرانية وحتى سياسية واجتماعية واقتصادية متعددة. للتحضير للمؤتمر تم عقد ورشة عمل حول المساجد في ماليزيا في العاصمة الإدارية "بتروجايا" بالتعاون مع وزارة الشؤون الدينية "جاكيم" يوم الأربعاء الفائت (20 نوفمبر)¡ وقام البروفيسور "أدري نوح"¡ وهو أستاذ في الدراسات الإسلامية¡ بطرح فكرة لفتت انتباهي حول المسجد كونه "رحمة للعالمين"¡ وأشار إلى أن كلمة R A H M AH باللغة الماليزية تعني "Rahma الرحمة" و"Aman الأمان" و"Hormat الاحترام” و"Mesra المسرة" و"Alami البيئة" وأخيرا "Harmoni الانسجام". والحقيقة أن محاولة الربط بين هذه الكلمات وبين المعاني العميقة التي يمكن أن يعكسها المسجد تشير إلى أهمية البحث في البعد الفلسفي للمسجد الذي يبدو أنه غير مطروق كثيرًا في ثقافتنا العربية.
ذكرت للبرفيسور نوح أن هذه الرؤية الفلسفية شاملة¡ وتؤكد على البعد الثقافي العميق للمسجد¡ وأكدت له أن حروف كلمة "رحمة" بالعربية ممكن أن تعكس أبعادًا مشابهة¡ فالراء "رحمة" والحاء "حياة" والميم "ملتقى" والتاء "تواصل"¡ وبصرف النظر عن الكلمات العديدة ذات المعاني الواسعة التي يمكن أن يشير إليها المسجد¡ فالقصد هو أن هناك أبعادًا كامنة لم تكتشف بعد في عمارة المسجد والمعاني المرتبطة بها¡ نتيجة للنظرة التقليدية التي حبسنا أنفسنا داخلها ولم نحاول الخروج منها¡ ونأمل من مؤتمر كوالالمبور أن يثيرها.
في الوقت نفسه والمكان نفسه تجمع عدد من المتخصصين من مناطق مختلفة في العالم لمراجعة وتحكيم المساجد المرشحة للجائزة¡ وهي 27 مسجدًا من مختلف العالم الإسلامي¡ سيتم اختيار عدد منها للفوز بالجائزة¡ وستقدم لها الجوائز في احتفال سيقام في الرياض - بإذن الله - يوم 2 مارس برعاية سمو أمير الرياض وحضور الأمير سلطان بن سلمان. والحقيقة أن قضية المسجد كموضوع عمراني معاصر مرتبطة بالسياقات الفكرية النقدية المعمارية في وقتنا الراهن لم تكن غائبة عن المجتمعين الذين يمثلون مناطق وثقافات مختلفة من العالم¡ ويبدو أن المسجد كقضية سياسية خصوصًا كانت حاضرة في النقاش بشكل لافتº لأن بعضهم كان يرى أنه يصعب فصل المسجد عن السياسة حتى من الناحية التاريخية.
المثير للانتباه في كثير من الحوارات التي سمعتها خلال الأيام الأخيرة¡ أن هناك حراكًا فكريًا مرتبطًا بالمسجد بشكل عام وبعمارته بشكل خاص¡ وأن الجدل حول هذه العمارة¡ في بعدها الثقافي والديني هو جدل بين توجه تقليدي متشدد يرى المسجد قبة ومئذنة¡ وبين توجه نخبوي متحرر من التقاليد يرى أهمية الخروج من عباءة التقليدية¡ بينما تقف السياسة في الوسط بين تقليدية وتحديث المسجد¡ فمثلاً المساجد في الشيشان - كما يقول البروفيسور الروسي "أيفيم رضوان" - جميعها سياسية¡ ويضرب مثلاً على ذلك بمسجد "أرجون"¡ ويؤكد رضوان أن المسجد الآن في الشيشان يمثل حضورًا رمزيًا سياسيًا تدور في فلكه جميع محاور التنمية العمرانية. هذا البعد السياسي لا يقتصر على الشيشان وحدها¡ ولكن هناك ارتباط وثيق بين السياسة وعمارة المسجد¡ نشأت في وقت مبكر¡ وأسهمت في تحديد توجهه المعماري في الأغلب.
ومع ذلك فإن هذه المنطقة من الحوار شائكة ويتجنبها كثير من المهتمين بعمارة المسجدº كونها حساسة من جهة ومن جهة أخرى كون المسجد في الأساس مكانًا له حضور وقداسة مركزية في المجتمع الإسلامي¡ لكنه كان على الدوام المكان الرمزي والمرجع الذي يحدد حدود الثقافة¡ ويحرك أي توجهات فكرية في المجتمعº لذلك فإن سيطرة "السياسي" على المسجد تعني بشكل أو بآخر سيطرته على أي حراك فكري وثقافي في المجتمع. على أن ذلك الدور للمسجد كان في السابق ولم يبق من ذلك الدور الكثير¡ فلماذا يرى البعض أن البعد السياسي للمسجد ما زال مؤثرًا وموجهًا لعمارة المسجد¿
هذه الأسئلة قد تكشفها بعض حوارات المؤتمر¡ لكن بكل تأكيد قضية المسجد كبيرة جدًا وأبعد بكثير من مجرد صراع فكري بين متشددين تقليديين وحداثيين متحررين¡ بل هي قضية مرتبطة بالبيئة والمحافظة على المصادر غير المتجددة وإعادة تعريف المجال الحضري¡ كما أنها قضية تشير إلى التقاء الناس وترابط المجتمع. مجموع هذه القضايا التي هي موضوع مؤتمر الاثنين المقبل هو ما تشير إليه كلمة "رحمة"¡ فالمسجد هو مكان للحياة¡ وملتقى يتواصل فيه الناس للتراحم وللبحث عن الرحمة.
http://www.alriyadh.com/1789275]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]