المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : توظيف الخطأ وتصويبه



المراسل الإخباري
12-30-2019, 01:51
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لقد كانت ثقافة التسامح و«حسن الظن» والاعتذار وقبول الاعتذار هي الثقافة السائدة في العصور التي نفخر بالانتساب إليها¡ وليست مجرد ألفاظ تلوكها ألسن الخطباء والوعاظ والمثقفين خالية من أي أبعاد على واقع المجتمعات..
من لطائف أدبيات الحفاظ على ما يكنه لك الآخرون من مشاعر الود¡ سلم رجل على أبي الطيب المتنبي فغفل الأخير عن رد السلام فأخذ الرجل في نفسه وعاتبه فأنشأ أبو الطيب:
أنا عاتبٌ لتعتّبكْ
متعجّبٌ لتعجبّكْ
إذ كنتُ حين لقيتني
متوجّعًا لتغيّبكْ
فشغلتُ عن ردّ السلا
مِ وكان شغلي عنكَ بِكْ
وإن كان أكثر الناس لا يصلون إلى هذا المستوى من البداهة والإبداع¡ ليجمعوا بين "جعل الذنب جميلاً والعذر أجمل منه" وأكثرهم يسلك مسلك "عذر أقبح من ذنب" إلا أن هذه الثقافة التي يتنافر الناس بها الناس لأحقر الأخطاء والغفلات ليست هي الثقافة السائدة في العصور التي نفخر بالانتساب إليها¡ بل كانت ثقافة التسامح و"حسن الظن" والاعتذار وقبول الاعتذار هي الغالبة على تلك المجتمعات¡ وليست مجرد ألفاظ تلوكها ألسن الخطباء والوعاظ والمثقفين خالية من أي أبعاد على واقع المجتمعات¡ فقد أصبح الحديث عن حسن الظن والتغافل عن أخطاء الآخرين الشخصية شيئاً لا يتصف به إلا "المشار إليهم من الناس" على تكلف من بعضهم لهذا¡ بينما هي في الأزمنة الأولى ربما كانت الثقافة السائدة الغالبة¡ وإن تفاوت أولئك في تجسيد العفو وحسن الظن بطريقة وبأخرى إلا أن مجتمعاتهم توصف بهذه الأوصاف وتنسب إليهم.
وأحياناً يتعلق بحسن اعتذارك وتوظيفك خطئك إيجابًا حفاظك على من حولك وحول من تعلق الخطأ به¡ إذ إن الوُدّ ينساب بين الناس كانسياب الماء النقي¡ فمن يود قريبك لا شك في أنك ستحمل له المحبة ويكون وده لأقربائك حبل صلة أيضًا بينك وبينه¡ والعكس أيضاً صحيح¡ فقد لا يكون بينك وبين فلان من الناس أي تكدر في العلاقة¡ ولكن ما إن ترى منه بعض الجفاء لمن توده سيؤثر ذلك سلباً على علاقتكما¡ ولذلك تدارك السلف - رحمهم الله - هذه "اللطائف الدقيقة" وأصبح أحدهم كثير العفو والمسامحة ليس فقط سجية وخلقاً¡ ولكن يتعلق الأمر بالتفكير السليم في عواقب الجفاء والعتاب ومقابلة الخطأ بالإساءة¡ وكم هي القصص والحكايات في ذلك فضلاً عن الآيات القرآنية والترغيبات النبوية التي تحث على تدارك الخطأ¡ فإن كان بالإمكان إصلاحه فبها¡ وإلا أمكن الاعتذار منه¡ ويبقى قبول الاعتذار والتغافل عنه سمة الكبار وذوي النفوس الكريمة¡ ومن الطرف الأدبية التي تروى عن أبي نواس أنه دخل على هارون الرشيد يسمعه قصيدة مدح عصماء قد بذل فيها جهده¡ غير أن هارون انشغل عنه بجارية له يقال لها "خالصة" فخرج أبو نواس وفي صدره غيظ فكتب على الباب:
لقد ضاع شعري على بابكم
كما ضاع عقدٌ على خالصة
ولما علم هارون غضب¡ وعلم أبو نواس بغضبه وعلم أنه سيعاقبه¡ فعمد إلى البيت من الشعر فحك تجويفة العين فأصبحت:
لقد ضاء شعري على بابكم
كما ضاء عقدٌ على خالصة
فتعجب هارون من بداهته وسكن غضبه وأمر له بمال رغم علمه أنه إنما أصلح الخطأ¡ وهذا كثير في قصص السلف والصالحين والعلماء¡ ومن قبلهم نبينا صلى الله عليه وآله وسلم فربما تبسم وهش لأناس قد علم استحقاقهم للزجر والغلظة¡ غير أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يعاملهم بأخلاقه¡ وتغليباً لنشر التسامح على الاستحقاق والمقابلة بالمثل¡ وفي التنزيل: (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن)¡ وفيه أيضاً (وقولوا للناس حسنا)¡ وفيه كذلك (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم)¡ وفي الحديث "إن من شرار الناس الذين يُكرمون اتقاء ألسنتهم". هذا¡ والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1795828]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]