المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بين الرغبة والأب الغائب!



المراسل الإخباري
01-04-2020, 17:55
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png «لم تكن تعرف أنني كنت بطلة لفيلم رومانسي¡ ووالدك عاشقاً رائعاً في فيلمنا الذي لعبنا فيه أنا وهو دور الأبطال ودور الجمهور في الوقت نفسه»
«ت/إيلينا»
***
في الرواية/القصة¡ وكما هو متواتر على مرور الوقت كانت الركيزة الأساس التي تؤكد على توفرها في العمل هي العناصر الثلاثة (المقدمة/العقدة¡ أو الحدث/الحل) فأي عمل سردي قوامه قصة أو رواية يصر الناقدون وسواهم ومن يحشو حقيبة فكره من المقروء والمسموع على هذا المستوى من البث والاستقبال¡ ومع أن لا شيء يدوم تبعاً لقانون الحياة المتحركة النابذة للركود في مقوماتها¡ حيث تتنامى في كل الاتجاهات¡ تعطي وتسترد بشكل يجسد الإيجابية بالنسبة للكائن الحي عموماً¡ وما هو عاقل يتابع في عقلانية فطرية أو مكتسبة¡ هو في عمل دؤوب لإثبات الوجود والبرهنة على الحدود التي ستستولي عليها حياة الفرد وما سَيَشْغَلَهُ بجدارة داخل هذه الحدود الوجودية التي تمكنه من أن يعلن عن ذاته بجدارة.
في متغيرات الحياة كانت الإبداعات المختلفة التي يقدمها الإنسان في حياته تتابع متغيرات الحياة¡ مما أدى إلى أن تكون الرواية/القصة/الكتابة عموماً مواكبة للمتغيرات حسب قدرات المنتجين لها¡ فروايات وقصص وأشعار ورسومات وموسيقى¡ وهذا في حدود المنتج الفني الإبداعي كانت سائدة ومستولية على المساحات الكبيرة من المعمورة تتردد على الألسنة ذكراً كروائع¡ جاء ما يتبعها تالياً ليقدم حاله متجاوزاً ومضيفاً¡ وكان القبول يسانده¡ ولايزال التجاوز مستمراً في تسلسله إلى ما لا تحديد لزمن.
بعد أن كانت الروايات - سأحصر التناول بها - في شكلها الحجمي آلاف الأوراق¡ ثم المئات العليا¡ وإن لم تكن كذلك وصفت في خانة القصة أو القصة القصيرة¡ تحولت مع الوقت ومرور الزمن إلى مسميات: رواية طويلة ثم رواية قصيرة¡ وفي الأخير لا فرق في عدد الصفحات كما هو الراهن¡ فرواية بمئات الصفحات¡ وأخرى أقل من مئة صفحة يطلق عليها رواية من دون ذكر طويلة أو قصيرة¡ لأن الرواية تخلت عن الوصف المطول المفصل عن الشخصيات والزمان والمكان¡ فصار الحدث المراد إيصاله هو الإطار الحجمي المتجه للتكثيف والاختصار الذي يضمن التوصيل بسرعة فائقة وهذا ما توفر في رواية «أب سينمائي» للكاتب التشيلي أنطونيو سكارميتا¡ صاحب رواية «ساعي بريد نيرودا».
الرواية كتبت على شكل يأخذك تكنيكها إلى عدد من إبداعات مماثلة¡ فحضور صورة «المسخ» لفرانز كافكا¡ في تداخل البناء التنقلي بين الفصول¡ وبروز وضوح غوغول الشبيه بالمنطقي في «الأنف» وتلتقط صور الأيروتيك بوضوح كمجسمات لنماذج -أناييس نن- في روايتها «دلتافينوس»¡ ولا أريد أن أزيد¡ ولكن أردت بهذه مقاربة أن أمُرَّ بالمتغير الذي حَثَّ ولم يزل يُحفِّز على الانعتاق من ربقة التقليد ويساند على دحرجة عجلة الإبداع الروائي بسرعة لتذهب للبعيد المراد تناوله¡ رواية عدد صفحاتها لا يزيد على 83 صفحة¡ وفصولها خمسة وعشرون¡ كل فصل يختلف عن الآخر في العدد¡ فهناك منها ما لا يزيد على الثلاث صفحات ونصف¡ وآخر يحتل نصف صفحة¡ وغيره صفحة يكتفي بها¡ على هذه الطريقة كانت فصول الرواية تعنون بالكتابة دون أن يذكر فصل فتكون على النحو التالي: واحد/اثنان/ثلاثة/أربعة/إلى أن تصل خمسة وعشرين¡ وهذه الفصول الخمسة والعشرون ترسم بدقة حياة مدرس في قرية يسكن قرب الطاحونة الوحيدة ويعقد صداقة مع صاحبها الذي يألفه وبحكم صداقته مع والده صار يقص عليه بعض المواقف التي حصلت بينهما وعن الصفات التي تميز بها ذلك الصديق الذي سافر إلى فرنسا بلده الأصلي لتعلقه بها قيل إنه مات¡ وقت وصول الولد إلى القرية ليستلم عمله كمدرس سافر الوالد في نفس القطار¡ نزل الابن قادماً وصعد الأب مسافراً¡ عاش القادم مع أمه التي «تغسل شراشفها طول النهار وفي الليل نستمع إلى الراديو ونحتسي الشاي حتى تنقطع موجة الراديو بسبب عشرات محطات البث الأرجنتينية التي تنشط ليلاً محتلة الإذاعة» تعرف عقد الصداقات مع بعض آباء التلاميذ¡ ولكن صاحب الطاحون هو من استولى على أكبر نسبة حيث يتسامر معه ويحكي له عن القرية وأبيه¡ صانع الخبز «لم أستطع بعد رحيل والدي أن أقلد فنه في صناعة الخبز الباغيت¡ إلاّ أنني حافظت على الصداقة مع مالك الطاحونة¡ فهو يعرف عن والدي أكثر مما أعرفه عنه أنا¡ إنه يعرف عن أبي أكثر من أمي نفسها»¡ يقول ذلك لأنه كثيراً ما يسألها عن أبيه ولماذا يسافر ولا يجد الإجابة إلاّ ما اعتاد أن يسمعه منها دائماً أنه سافر فرنسا لأنه يحن لوطنه ولديه بعض المهام الخاصة ومات¡ هو يعرف أن أباه سافر ولكن لا يعرف السبب¡ ويتذكر أن أباه كان يغني بالفرنسية:
(سأنتظر/أوراق الخريف/إنه جيد جداً) مع إتقانه الخبز المقرمش¡ مرض المدرس وفي المستشفى تعرف على ممرضة أصابته بعدوى ممارسة التدخين مما أصابه بالتهاب القصبات الهوائية¡ بحث عن عمل إضافي يوفر له بعض المادة¡ وترجم بعض النصوص الشعرية وأرسلها لإحدى الصحف في المدينة وانتظر¡ ولكن استمر في الأمل مع البحث عن دخل إضافي¡ يوفق في عمل مدرس خصوصي لأحد تلاميذه من ذوي اليسار المادي ويكون تردده على المنزل لإعطاء الدروس¡ ويصبح محط أنظار أختي التلميذ حيث يتضاحكن كلما مر بهن¡ ولكن لم يعر ذلك اهتماماً¡ لأنه سمع من الطِّحان عن النوادي الليلية المجاورة وما توفره من المتعة مما شجعه على أن يصاحبه وينال ما تصوره في مخيلته العشرينية¡ كرر ذلك بمساندة الدخل الإضافي من تلميذه الذي سمع بطريقة ما عن المتعة خارج القرية من الطحان أفضى بها وهو في حالة عدم توازن شعوري بفعل ما تناوله من شراب¡ وصار التلميذ البالغ الخامسة عشرة من العمر يلح في أن يصاحب الاثنين إلى تلك المتعة¡ ويكون الرفض من المدرس¡ وبذكاء من الصغير يفضي إلى مدرسه بأن إحدى أختيه - تتريسا/إيليان - معجبة به وربما تحبه¡ وأنه قد تمكن من فتح رسالة كانت أرسلتها معه له وعرف مضمونها ولم يسلمها¡ ويسرد عليه كلماتها¡ يسهل أمر التلميذ ويستمتع حسب قدراته في هذا المجال¡ وتمضي الأيام والحب يظهر¡ ولكن صاحب الطاحون يخبئ ما يعرف مراعاة لمشاعر صديقه¡ غير أنه في حالات ما يلمح بما يدعو إلى التساؤل عند صديقه الذي يخزن ذلك في ذاته.
في سفرة المتعة يدخل دار سينما¡ ويلمح أباه وبين مصدق ومكذب يكون اللقاء مصارحة بين الاثنين فالأب يعمل في السينما¡ وتزوج¡ وله من الزوجة ولد وهي معه في التمثيل تزوجها خفية¡ تزوره بين وقت وآخر وله منها ولد هو أخوه¡ تكون حال المحب الترقب لمتخيلاته¡ وهو في انتظاره على شاطئ الأمل تباغته الأخت «تيريسا» تبادله كلمات وأناشيد وصور الغرام حتى إنها تعرض كل ما تستطيع له وتتنازل عن كل ما تحفظت عليه «كنت أهم بتقديم كأس الليموناضة لتيريسا إلا وانفجرت في البكاء وددت أن أسألها عن السبب ولكن قلبي غائب¡ خفقاته معلقة بتلك العجلات البائسة للقطار الذي يذهب إلى سينما الغول¡ فإن إيمليو يحتاج إلى أمٍ ترعاه».
إيمليو تذكر المدرس جاك أباه عندما قدم له الطفل قرب السينما قائلاً: هذا أخوك إيمليو.. عرف أن أم أخيه هي تيريسا.
قال: «لقد غدوت عجوزاً»¡ وكان الظلام بالخيمة السوداء يلفه ويطويه بردائه لتختفي الصورة بل الصور كلها.




http://www.alriyadh.com/1796964]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]