المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : النظام الإيراني ومأزق البقاء



المراسل الإخباري
01-08-2020, 23:04
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
منذ اليوم الأول لتأسيس نظام الخُميني تبنت إيران سياسة ضيقة الأفق وأحادية التوجه¡ عمادها تصدير الثورة "الفوضى" إلى دول الجوار العربي. ومن أجل تنفيذ هذه السياسة¡ التي أصبحت فيما بعد استراتيجية¡ سخَّر النظام الإيراني جميع إمكاناته السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والمادية..
نظام الخُميني تأسس على تصفية الحلفاء والأتباع قبل تصفية المنافسين والخصوم¡ ومع ذلك لم يواجه أزمة بقاء بل ازداد صلفاً وشراسة مكنته من فرض رؤيته الأحادية على كافة أطياف المجتمع الإيراني المتنوع والمتعدد الثقافات. نظام الخُميني قام منذ يومه الأول على تجاوز الأعراف والقوانين الدولية عندما تعدى على السفارة الأميركية واحتجز موظفيها المشمولين بالحماية القانونية الدولية لمدة تجاوزت الأربعة عشر شهراً¡ ومع ذلك لم يواجه أزمة بقاء بل تمادى كثيراً حتى إنه لم يحترم قانوناً دولياً ولم يلتزم بأعراف ومواثيق التزمت بها كافة المجتمعات السوية. نظام الخُميني يفتقد لأساسيات العمل السياسي الدولي القائم على احترام السيادة الوطنية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى مما جعله نظاماً منبوذاً دولياً ومعزولاً اجتماعياً¡ ومع ذلك لم يواجه أزمة بقاء بل تمادى في عدم احترامه لقواعد وأصول العلاقات الدولية حتى أصبح يوصف بـ"النظام الميليشيا" وليس بالنظام السياسي نتيجة سلوكياته الهدامة للمجتمعات. نظام إرهابي تبنى منذ يومه الأول تأسيس الجماعات المتطرفة والتنظيمات الإرهابية وعمل على تبنيها ودعمها وتمويلها وتزويدها بالعناصر المطاردة دولياً حتى استطاع تهديد أمن المجتمعات وزعزعة استقرار الدول¡ مما جعله والإرهاب مترادفان¡ ومع ذلك لم يواجه أزمة بقاء بل إنه تمادى في سلوكياته المتطرفة وممارساته الإرهابية وبعلاقاته المتشعبة والمتعددة مع الميليشيات المسلحة في الوطن العربي¡ حتى إنه تفاخر بقدراتها التخريبية وممارساتها الإرهابية في الوطن العربي. إلا أن هذه القاعدة القائمة على ضمان البقاء وتجاوز التحديات والصعاب يبدو أنها شارفت على النهاية بعد أربعة عقود من تأسيسه عندما تم اغتيال قائد "فيلق القدس الإيراني" الجنرال قاسم سليماني الذي يعتبر أيضاً أحد أركان نظام الخُميني المتطرف.
فلأول مرة منذ قيام نظام الخُميني يجد النظام الإيراني نفسه أمام معضلة حقيقية وأزمة بقاء عندما أعلنت الولايات المتحدة الأميركية قيامها بتنفيذ عملية اغتيال الجنرال قاسم سليماني. هذه المعضلة الحقيقية وأزمة البقاء ليستا ناتجتين عن تهديد خارجي يتبناه المجتمع الدولي ممثلاً بمجلس الأمن أو بحرب شاملة تقوم بها الولايات المتحدة على إيران¡ وإنما هذه المعضلة وأزمة البقاء ناتجتان عن انغلاق الأفق السياسي ونهاية فترة المناورة التي وصل لها النظام الإيراني بعد أربعة عقود. فمنذ اليوم الأول لتأسيس نظام الخُميني تبنت إيران سياسة ضيقة الأفق وأحادية التوجه عمادها تصدير الثورة (الفوضى) إلى دول الجوار العربي. ومن أجل تنفيذ هذه السياسة¡ التي أصبحت فيما بعد استراتيجية¡ سخَّر النظام الإيراني جميع إمكاناته السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والمادية¡ ووجه كل موارده المالية والبشرية نحو تحقيق هذه الاستراتيجية¡ واعتمد سياسة إعلامية تخدم استراتيجية تصدير الثورة بشتى الطرق الشرعية وغير الشرعية¡ وتعمل ليلاً ونهاراً على تعبئة الرأي العام لكي يؤمن بهذه الاستراتيجية¡ ويقوم على خدمتها¡ ويساهم في تحقيقها على أرض الواقع. هذا التوجه الكامل والشامل نحو استراتيجية تصدير الثورة جاء على حساب المجالات الحقيقية التي من شأنها أن تساهم في تنمية وتطوير وتحديث المجتمع وبناء الدولة مثل العمل على تأسيس البنية التحتية¡ ووضع الأسس والقواعد لصناعات متقدمة¡ والاهتمام بالجوانب التعليمية والصحية والخدمية التي تلعب دوراً أساسياً في تحسين مستوى المجتمع وترتقي بمكانته الدولية بين الأمم. هذه السياسة والاستراتيجية غير السوية التي تبناها النظام الإيراني على مدى أربعة عقود أدت إلى تعبئة عامة وتجييش شامل للمجتمع باتجاه تصدير الثورة بهدف تغيير أنظمة الحكم في دول الجوار العربي والهيمنة التامة على المنطقة العربيةº وفي مقابل ذلك أثمرت هذه السياسة والاستراتيجية مجتمعاً إيرانياً ضعيفاً اقتصادياً¡ ومتخلفاً تنموياً¡ ومتردياً خدمياً¡ ومتواضعاً صناعياً¡ ويعاني معظم أبناء شعبه من الفقر والعوز¡ ومعزولاً عن أسباب التقدم وغير مطلع على أحدث ما توصلت له التكنولوجيا الحديثة.
هذه الاستراتيجية التي تبناها النظام الإيراني على مدى أربعة عقود استطاعت المحافظة على بقائه ومكنته من القضاء على كل من يعارضه بدعوى أنه يعارض تصدير الثورة ويقف مع أعداء إيران وأعداء الإسلام كإسرائيل التي أطلق عليها الخميني صفة "الشيطان الأصغر" والولايات المتحدة التي أطلق عليها صفة "الشيطان الأكبر". ولكن مع اغتيال الجنرال قاسم سليماني "قائد فيلق القدس الإيراني" لن يجدي نفعاً استخدام استراتيجية تصدير الثورة مجدداًº لأن من اغتاله هو الولايات المتحدة أو "الشيطان الأكبر"¡ وليس دولة إقليمية. وبناء على هذا التطور غير المتوقع إيرانياً أصبح النظام الإيراني أمام خيارين لا ثالث لهما: فإما الصمت والتسامح مع عملية الاغتيال وعدم الرد¡ وبالتالي سيكون النظام في مواجهة مباشرة مع الشعب الإيراني الموعود بالنصر منذ أربعة عقود¡ وإما التصعيد بالرد على الولايات المتحدة عسكرياً¡ وبالتالي مواجهة آلة عسكرية لا طاقة للنظام الإيراني بها ولا قدرة على مواجهتها. وهذان الخياران يؤديان إلى نتيجة واحدة وهي أن النظام الإيراني يعاني من أزمة بقاء حقيقية.
وفي الختام من الأهمية القول إن النظام الإيراني أثبت خلال الأربعة عقود الماضية أنه نظام متخلف سياسياً عندما عمل على تعبئة وتجييش الرأي العام الإيراني تجاه الولايات المتحدة بشكل خاص مدعياً قدرته على هزيمتها وبطردها من منطقة الشرق الأوسط¡ بينما قدراته وإمكاناته أضعف من ذلك بكثير. إنه الواقع الذي يجب أن يواجه النظام الإيراني تبعاته¡ فإما التعقل وعدم التصعيد والتحدث للشارع الإيراني الذي وصل مرحلة التشبع من الوعود الوهمية¡ وإما التصعيد الذي سيؤدي حتماً لإنهاء نظام الخميني من أساسه. وبما أن سلوكيات النظام الإيراني أصبحت معلومة فإنه يمكن القول إن النظام الإيراني أجبن من أن يُصعد تجاه الولايات المتحدةº لأنه يعلم النتائج¡ لذلك فإنه سيحاول جاهداً اختلاق وعود وهمية يُسلي بها شعبه¡ ولكن حتى حين.




http://www.alriyadh.com/1797665]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]