المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعليم الجامعي.. تجارب شخصية



المراسل الإخباري
02-01-2020, 18:53
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
أصبح لدى الطلاب القدرة أن ينافسوا الأستاذ في تقديم المعلومات وبشكل آني ولحظي¡ وبالتالي فقد صارت مهمة المعلم صعبة جداً لأن المطلوب أن يتعامل مع "السيولة المعرفية"¡ وأن يوظفها لتطوير منهجية للتفكير النقدي التي تمكّن الطلاب من اختيار المعلومة المناسبة..
أمضيت أكثر من عقد من الزمن لم أقم فيها بتعليم طلاب البكالوريوس بل كان تركيزي على تعليم طلبة الماجستير خصوصاً أنني كنت في أغلب تلك الفترة خارج الجامعة إما مستشاراً متفرغاً أو معاراً¡ على أنني مؤخراً قررت أن أقوم بتدريس مادة تاريخ العمارة لطلاب السنة الثالثة والرابعة. التجربة يفترض أنها ليست جديدة بالنسبة لي لكن فترة الانقطاع الطويلة¡ والتغيرات الكبيرة في وسائل التواصل¡ وسهولة الحصول على المعلومات جعلتني أفكر طويلاً في الكيفية الجديدة التي يفترض أن أدرس الطلاب بها. تغير الأدوات يفترض أن يغير المنهج وحتى الفلسفة. ويبدو أن مثل هذا التحول في منهجية التعليم يصعب رصدها في الواقع إذ إن الأسلوب مازال كما كان قبل عقود¡ إلا أنني شعرت أنه من الضروري أن أجرب أسلوباً آخر يتناسب مع التطور المعلوماتي الكبير فقررت أن لا أقدم للطلاب أي معلومة¡ وأن أنتهج منهجاً يركّز على تعليم الطالب كيف ينتقي المعلومة ويوظفها.
هل يفترض من الأستاذ أن ينقل للطالب المعلومة التي أصبحت متاحة ومباشرة وسهل الوصول إليها¡ أم يجب عليه أن ينتهج أسلوباً مختلفاً¿ وما الأسلوب الجديد الذي يفترض أنه يتبعه. أصبح لدى الطلاب القدرة أن ينافسوا الأستاذ في تقديم المعلومات وبشكل آني ولحظي¡ وبالتالي فقد صارت مهمة المعلم صعبة جداً لأن المطلوب أن يتعامل مع "السيولة المعرفية"¡ وأن يوظفها لتطوير منهجية للتفكير النقدي التي تمكّن الطلاب من اختيار المعلومة المناسبة. كما أن مفهوم التقييم القائم على الاختبارات التحريرية لم يعد مجدياً أبداً لقياس مستوى الطلاب¡ وبالتالي يفترض أن تتحول هذه الاختبارات إلى مشروعات عملية. ويبدو أن هذا التوجه أصبح مطلوباً في كثير من معايير الاعتماد المعاصرة التي صارت تتجه إلى "بناء القدرات" مع "الفهم". إذا لم يعد الأمر تقديم محاضرة تقليدية بل أصبح للطالب دور أساسي في المشاركة في تقديم المحاضرة كجزء من بناء قدراته المعرفية وصقل مهاراته العلمية.
أذكر قبل سنوات أنني طورت فكرة في مرسم التصميم العمراني (السنة الرابعة في كلية العمارة) تقوم على دراسة الوسط التاريخي لأحد المدن السعودية¡ ووزعت المنطقة التاريخية إلى أجزاء وشكلت فرق عمل من الطلاب كل منها مكون من طالبين يقوم كل فريق بالمسح والتوثيق والتحليل للجزء الخاص به¡ ثم يقوم كل طالب بعد ذلك بتطوير الجزء الذي تم توثيقه بشكل منفرد. النتائج كانت مثيرة وعزمت في ذلك الوقت أن أكتب عن التجربة وأنشرها كبحث علمي في مجلة معروفة في التعليم المعماري أسمها Architectural Education Journal لكني انشغلت ولم أسجل تلك التجربة المهمة على المستوى الشخصي. تجربتي الأخيرة في تدريس مادة تاريخ العمارة في الحضارة الإسلامية أراها مهمة¡ لكني وجدت أن إسهام الأساتذة السعوديين في النشر العلمي حول "تجارب التعليم" المعماري محدود جداً مع يقيني أن هناك العديد من المحاولات التي تستحق أن يطلع عليها العالم ويمكن أن تساهم في تطوير التعليم بشكل عام.
تجربة تدريس تاريخ العمارة قامت على توزيع الطلاب حسب المسار "الزمكاني" الزماني/ المكاني لتطور الحضارة الإسلامية¡ وكانت مهمة كل طالب أن يقوم باختيار مبنى في هذا المسار¡ ويبحث فيه من ناحية النشأة والتشكل¡ وتأثير الموارد والمعارف المحلية¡ والتأثير السياسي والجغرافي والبيئي¡ وأن يقوم بعد ذلك بتقديم عرض (محاضرة قصيرة) بعد أن يكون قد عمل مع فريق من زملائه في دراسة الخصائص المعمارية للقرن الهجري الذي ينتمي له المبنى. كانت الفكرة هي إتاحة الفرصة للطالب للاختيار وتطوير مهاراته للعمل مع فريق عمل¡ والبحث عن أفضل السبل لتقديم المعلومات بأسلوب يضمن الارتباط بما حدث قبل نشأة المبنى وما حدث بعده.
هذه التجربة بينت لي نقاط ضعف أساسية في منهجية التعليم بشكل عام التي تفتقر إلى التفكير النقدي والقدرة على ربط الأفكار. بل أنها بينت درجة اختفاء شخصية الطالب نفسه¡ وكيف أنه تعود على التلقي والتوجيه. وقد وجدت أن القدرة على الاختيار ضعيفة ومهارة ربط الأفكار شبه معدومة¡ كما أن التكيف ضمن فريق عمل يواجه صعوبات كبيرة لدى الطلاب إذا لم يتدخل الأستاذ بشكل مباشر. لقد بينت لي هذه التجربة أن التعليم المعماري تراجع للوراء بدلاً من أن يستفيد من "ثورة الاتصال" المعاصرة¡ وهذه النتائج جعلتني أضع أكثر من علامة استفهام حول مستقبل التعليم لدينا بشكل عام.




http://www.alriyadh.com/1801907]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]