تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : زواج بين الثقافات



المراسل الإخباري
02-29-2020, 16:47
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png أخطأ صموئيل هنتنغتون في تقسيمه للحضارة إلى حضارات عديدة ومختلفة تتصارع فيما بينها¡ فالحضارة مفهوم شامل لكامل الإنجازات البشرية¡ هي حضارة إنسانية واحدة¡ لكن التعدد والتنوع الثقافي هو الذي þأدى إلى اختلاف المستويات الحضارية لكل ثقافة.þ وإن كان هناك صراع فهو بين ثقافات بعينها¡ وقد أدّى إلى نجاح بعضها في الصعود إلى درجات السلم الحضاري¡ وأدّى بأخرى إلى التعثر والسقوط إلى الحضيض إلى درجة أنها أصبحت مضادة للتحضر.
نحن نعيش اليوم عصر القرية الكونية التي تلغي المكان الزمان¡ أو لنقل إنها توحّد المكان والزمان الإنسانين¡ لكن المتعصبين من أطراف عدّة ما زالوا يرددون الأفكار التي غذت الحروب والصراعات القديمة¡ المتعصبون في الشرق عالقون بعقيدة انقسام العالم بين معسكر الكفر والإيمان¡ والمتعصبون في الغرب خلقوا ما يسمى اليوم بصراع الحضارات.
نحن إذن أبناء المعسكر الأول¡ المحجوز منذ الأزل بين شباك هذه العلاقة الغريبة بين الإنسان وخالق الكون¡ ثمة عودة دائمة إلى الموارئيات ومحاولة لتفسيرها¡ مع اعتقاد راسخ أن أي تحرر من الوثنيات القديمة قد يُلحق بالإنسان أضرارا كبيرة.
ظلّ الدين محورا أساسيا قامت عليه أمم بأكملها¡ لكن أعلى مراتب الأسئلة المتعلّقة بالروحانيات لم تطرح إلاّ بحلول الحقبة الإسلامية¡ بحيث تحرر الإنسان من كل عبودية ممكنة لآلهة محسوسة¡ بمعطى جديد ومتجدد¡ ألغى الوسائط البشرية بين الإنسان وخالقه¡ مع دفع قوي لإخراج طاقاته الإيجابية في منجزات تُرى¡ "فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ"¡ وهذه في حدّ ذاتها ثقافة متفرّدة جعلت الإنسان متحملا مسؤولية نفسه¡ دون السماح بأي تبرير أو أي تراخٍ من قبله سواء تجاه نفسه أو تجاه الآخرين.
في أوج ازدهار الثقافة الإسلامية انعكس هذا الإخلاص في المنجز الحضاري¡ وبدا واضحا أن تطور الأفكار لا يتوقف عند عتبات المدارس والجامعات¡ بل يتجسّد في أبهى نماذجه العمرانية¡ والاقتصادية¡ والاجتماعية¡ فقد بلغ مستوى الرّخاء الحضاري قمته أيضا¡ حين احتضنت الثقافة الإسلامية كل الثقافات المتواجدة مع بعضها في الفضاء الواحد.
لن نعود لأعظم الحقب الحضارية تاريخيا هنا من أجل استعراضها¡ فنحن نحفظ عن ظهر قلب السلم التصاعدي لها على مدى قرون¡ لكنّنا سنشير ولو بشكل مقتضب إلى أسباب انحدارها¡ حين بدأت تنغلق على نفسها¡ وتضيِّقُ الخناق على أفرادها¡ فحدث ما يمكن تسميته بالعملية التفكيكية العكسية لكل ما تمّ بناؤه أثناء عملية تلاقح الثقافات سابقا.
ما حدث كان عملية هدم مؤسفة أفقدت المجتمعات المسلمة رصيدها الحضاري شيئا فشيئا¡ حتى وصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم¡ كنا في أعلى السلم¡ ثم أصبحنا أسفله¡ أمّا السلم فهو نفسه دائما¡ مع دراية كاملة بأن زواج الثقافات الجيدة يؤدي لإنجاب حضارة جيدة¡ وأي طلاق بينها ينتج شكلا من أشكال الخراب.




http://www.alriyadh.com/1807449]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]