المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وقفات مع عمارة الساجد



المراسل الإخباري
05-09-2020, 10:18
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
عمارة الساجد حالة روحية خاصة ليست بالضرورة أن تتجلى في المسجد بل إنها أكثر ما تتجلى داخل نفوسنا مهما كان المكان الذي نكون فيه. أزمة كورونا جعلتنا نبحث عن هذه العمارة الخاصة التي قد تنقل الصورة أو الكلمة جزءاً من معانيها العميقة..
ثنائية الحس والمعنى أو المادي والمعنوي تفتح باباً للحوار حول معنى الدنيوي والمقدس وتثير العديد من الأفكار حول "الروحي" أو اللحظات الروحانية التي تمر بالإنسان لتصفي عقله وتسمو بجوارحه. هذه اللحظات الخاصة التي يتجلى فيها الغائر في نفوسنا ويهيمن على كل ما نفكر فيه ليهزم توقنا للتفرد ويذيب كل ما هو نافر في حياتنا. في رمضان تتجلى هذه اللحظات الخاصة¡ وفي خضم هذه الأزمة التي نعيشها تصبح هذه اللحظات خاصة جداً.
تثير جائحة كورونا مسألة فلسفية حول دور المسجد¡ فمكان الصلاة هو أي مكان¡ لكن تعزيز روابط الجماعة لا يتحقق إلا بالصلاة في المكان المحدد والمعروف لدى مجموعة من الناس. الصلاة في البيت لها فضائل كثيرة فخير صلاة الرجل في بيته وكذلك المرأة¡ لكن بالنسبة للرجال على وجه الخصوص الحديث خص السنن الراتبة ولم يخص الفروض¡ ومع ذلك فإن صلاة الجماعة ليست واجبة لكنها أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة. كل هذه المفاهيم تصب في معنى المسجد ودوره¡ لأنه من الواضح أن المسجد الذي يشتق اسمه من فعل السجود وهي اللحظة التي يكون فيها المرء أقرب إلى الله وتتمظهر من خلالها اللحظات الروحانية الخاصة¡ أقول إن المسجد هو لبناء الجماعة والمجتمع¡ وإلا فالصلاة تقام في كل مكان.
مكان الصلاة خارج حدود المسجد بعد أن أصبحت الصلاة في المسجد غير متاحة بشكل مؤقت بسبب (كوفيد 19) يمثل مجالاً للتفكير بشكل مرن في معنى المسجد الواسع التي هو الأرض برمتها¡ وفي اعتقادي أن هذا المعنى الواسع للمسجد يفرض علينا منهجاً عبر ثقافي ويدفعنا للنظر إلى خاصية عمارة المسجد كعمارة عابرة للجغرافيا وللثقافات. يفترض أن نفكر في الأزمة على أنها فرصة من خلال فهم معنى الصلاة خارج فكرة المكان والبحث عن اللحظات الإنسانية التي تتجلى فيها العلاقة بين العبد وربه. أنها "لحظة إبداعية" تغوص في اللحظات الروحية التي يصنعها رمضان وتعزز من فعل الصلاة التي يصنع فيها الإنسان مكاناً خاصاً لروحه¡ ليس بالضرورة مادياً¡ يربطه بخالقه. نبحث عن هذه اللحظات المهمة التي تسجل هذا الحدث غير المتكرر الذي جعل من البيت مكاناً للصلاة. أنها لحظات تقترن فيها الروح بالعقل لتصنع "اللحظات الروحية" التي ساعدت في خلقها الأماكن الإبداعية (الحسية والمعنوية) البسيطة.
إنها لحظات تسجل "عمارة الساجد" على حد قول الصديق سليمان الزكري¡ فهذه العمارة التي تعني بالنفس والروح وتهذبها هي التي تصنع اللحظات التي لا تتكرر حيث تغيب كل المطالب الدنيوية وتتضخم العلاقة مع الله. عمارة الساجد حالة روحية خاصة ليست بالضرورة أن تتجلى في المسجد بل إنها أكثر ما تتجلى داخل نفوسنا مهما كان المكان الذي نكون فيه. أزمة كورونا جعلتنا نبحث عن هذه العمارة الخاصة التي قد تنقل الصورة أو الكلمة جزءاً من معانيها العميقة.
منذ فترة بعيدة كنت أحث كثيراً من الناس على تصميم مصلى صغير داخل المسكن¡ وربما تكون هذه الأزمة التي نعيشها حافزاً لتبني هذه الفكرة. فقد كنت أرى أن هوية المسكن بالنسبة للمسلم لا تكتمل دون وجود مكان للصلاة. الكل كان يرى أنه بالإمكان أن يصلى المرء في أي مكان في بيته¡ وأنا أتفق معهم في هذا¡ لكن وجود مكان مخصص للصلاة يزيد من الحضور الروحاني للمسكن بأكمله وليس لمكان الصلاة فقط. طبقت التجربة على نفسي منذ فترة طويلة وخصصت مكاناً للصلاة في البيت بالقرب من مكتبي ومكتبتي يوجد بها سجادات مفروشة باستمرار ووجدت أن هذا المكان يمثل لي "الخلوة" في كثير من الأحيان. لعل هذه الأزمة تعيد التفكير في هوية المسكن الذي يجب أن يكون مكاناً للصلاة. فحتى من الناحية الشرعية هناك دلالات واضحة كي تكون الصلاة جزءاً من ثقافة المكان السكني.
كل هذه الخواطر يفترض أن تحث على الإبداع في أماكن الصلاة الحسية والمعنوية¡ وتؤكد على اغتنام لحظات الإلهام التي لا تكرر كثيراً في حياتنا. أنها لحظات خاصة¡ خصوصاً في شهر رمضان المبارك الذي يتفرغ فيه كثير من الناس للعبادة¡ وعبادة الله في كل مكان. تسجيل هذه اللحظات وتوسيع نطاقها وتأثيرها يعكس إنسانية المسجد وسعته المكانية والروحية. القدرة على رصد اللحظات الروحية الخاصة مرتبطة بالتوقيت فهناك لحظات خاطفة يفوتنا تسجيلها وتترك أثرها في نفوسنا وفي اعتقادي أن لكل منا توقيته الخاص الذي يرصد فيه تلك اللحظات التي تطبع فيها أثراً عميقاً في نفسه¡ الأمر الذي قد يقودنا إلى مساحات جديدة تجعلنا أكثر قرباً من اللحظات السامية في حياتنا.




http://www.alriyadh.com/1820183]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]