المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بيت الفيلسوف



المراسل الإخباري
05-09-2020, 10:18
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png لم تستطع المدن على اختلافها أن تستولي على قلبي¡ فقد ظل هناك هائماً بين بساتين ومرتفعات القرية الجبلية التي عشت فيها طفولتي وجزءاً من صباي¡ لم أحب الجدران والمباني العالية¡ وكنت على يقين دوماً أن بيتا بدون حديقة ليس أكثر من سجن. مع تقدمي في العمر أصبح ضجيج السيارات وصخب المدن يزيدني توتراً. الهدوء غايتي ولا حلم يراودني سوى حلم العودة إلى بيتنا القديم في قلب جبال الأوراس في الجزائر¡ ينتابني الحلم حتى وأنا يقظة¡ وكنت أعتقد كما يعتقد أصدقائي ومن يسمعون قصتي هذه أن تحقيق حلم مماثل مستحيل في هذا الزمن¡ إلى أن عثرت على صفحة تتحدث عن الفيلسوف بول دي مارشي¡ ورحلته العجيبة في الحياة¡ وقد حقق حلماً مماثلاً لحلمي تماماً¡ حينها تساءلت بيني وبين نفسي هل ما ساعده هو بيئته السويسرية حيث يُحترم الإنسان¿ وهل الصعوبة تكمن في مجتمعاتنا التي فقدت فطرة احترام الآخر¿
لم يعش الفيلسوف بول دي مارشي (مواليد 1923) حياة واحدة¡ كونه عاش عدة حيوات¡ فهو رحّالة ومغامر¡ ولكنه أيضاً فيلسوف وموسيقي¡ وحرفي وصانع ساعات. أما بيته الساحر فقد بناه بنفسه¡ وأثثه بيديه¡ قطعة قطعة. بنى عالمه الخرافي بعد أن تعلّم كل حرفة على حدة غير عابئ بقسوة الزمن في اختلاس عمره.
بعد الحرب العالمية الثانية غادر كلية الطب¡ بعد أن فقدت عائلته مداخيلها ووجاهتها (أم مثقفة وفيلسوفة¡ وأب موسيقي) فقام بشراء أربع مِعَاز وتعلّم كيف يصنع جبناً من حليبها¡ يبيعه كل يوم جمعة في السوق¡ وهكذا بدأت حياته الحرفية الريفية¡ بعيداً عن كل مظاهر المدينة التي عرفها في طفولته المخملية.
اكتشف صحراء الجزائر ومدن الشمال الأفريقي¡ في أربعينات القرن الماضي¡ وعاش حياة الرّحل مع رُحّلِها¡ قبل أن يصبح الترحال جزءاً من حياته فسافر إلى الهند¡ أفغانستان¡ إيران وغيرها من الأماكن النائية¡ التي كوّنت فسلفته.
حين اكتشف بيتا قديماً في مرتفعات منترو بسويسرا¡ قام بشرائه وترميمه¡ ثم أثَّثه بيديه قطعة قطعة¡ حتى اكتمل وأصبح تحفة فريدة في فن العمارة¡ بيت أطلق عليه اسم "ليبوسون" يستقبل فيه أناساً من كل بقاع الدنيا¡ تستهويهم الحوارات الفلسفية¡ وتبادل الأفكار¡ والتأمل. يقول من بين عشرين شخصاً كان تسعة عشر منهم أجانب.
حالياً يعد البيت مركزاً ثقافياً¡ من أجمل المراكز التي يمكن أن يقصدها عشاق الجمال. لكن كيف استطاع لوحده فعل ذلك¡ قبل عثوره على صديقته نيكول التي تقاسمت معه الشغف نفسه¿ يقول: إن السر يكمن في براعته في استغلال الوقت¡ وهذه البراعة من النادر أن نعيشها اليوم في العالم التكنولوجي¡ وضجيج المدن. يقول أيضاً: إن الإنسان يعيش وفق قناعته¡ إن اقتنع أحدهم أنه ليس أكثر من دودة أرض¡ فحتما سيعيش حياة دودة الأرض..!




http://www.alriyadh.com/1820180]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]