المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سيزيف.. وعالمنا



المراسل الإخباري
05-14-2020, 16:30
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png في الميثولوجيا الإغريقية¡ رسخت أسطورة سيزيف كرمز للشقاء الأبدي¡ عبر محاولاته اليائسة واللانهائية لرفع صخرة لأعلى الجبل¡ ثم تدحرجها للأسفل مرة أخرى ومعاودته الكرة من جديد¡ في سيرورة أزلية عقاباً لمكره وأخاديعه¡ كما تروي الأسطورة¡ تحضر هذه الرمزية التي فسرها آلاف الفلاسفة والمفكرين عبر قرون بشتى التفسيرات والتحليلات¡ والعالم يعيش حرباً ضروساً مع المجهول¡ في مواجهة فيروس لا يعلم أحد بعد على وجه الدقة¡ منشأه أو طبيعته أو سبل مكافحته. ما زال الإنسان رغم مسيرته الطويلة في تفكيك ألغاز الحياة وارتياد أراضيها المجهولة¡ يواجه في كل مرة بقعاً مظلمة تستعصي على فهمه ردحاً من الزمن قبل أن يتسنى له فك شفرتها وفهم ماهيتها¡ وهكذا تتوالى قصة الإنسان مع المجهول¡ كشقاء سيزيف¡ كلما وصل أرضاً جديدةً في جهاده المعرفي¡ اكتشف أسئلة كونية جديدة تبعث فيه شعور العجز والضعف.
عبر التاريخ كانت المحن الكبرى¡ بداية لولادات كبرى أيضاً¡ سواء كانت هذه المحن طواعين فتكت بالبشرية¡ أو حروباً أشعلها الإنسان. إمبراطوريات ولدت من ركام الحرب¡ أمم انبعثت من تحت الغبار النووي¡ علوم اجتازت عتبات المجهول بعد أن دفنها الجهل والخرافات¡ دوماً كان التغيير الكبير يتبع الأزمات الكبرى¡ الخوف من تكرار المأساة كان محركاً للنزعات الثورية¡ ورغبة التغيير¡ فماذا عن حلقة كورونا¿
تمثل هذه الجائحة اختباراً جديداً من نوعه للعقل البشري¡ لكن هل كان العالم أقل اضطراباً قبيل هذا الاختبار الفريد¿.. الحقيقة أن عالمنا لم يكن بهذه الصورة الوردية¡ إليكم قائمة بالموازين المختلة: منظمات دولية تحكمها موازين القوى الكبرى¡ عولمة غير عادلة يرسم مساراتها أصحاب النفوذ¡ ثقب أسود يتشكل بين الأغنياء والفقراء¡ مستقبل مناخي مظلم فيما الجميع يفكر في قطعته الضئيلة من الكعكة.
لذا ربما يهذب "كوفيد-19" حالة التوحش العقلي التي انتابت عالمنا في السنوات الأخيرة¡ قد تكون فرصة لإعادة تشكيل السياسة الدولية ومنصاتها المختلفة على أساس عادل¡ وتأسيس عقد اجتماعي جديد على مستوى العالم برمته¡ يردم الفجوة بين من يستطيع ومن لا يستطيع¡ بين القوي والضعيف¡ أو الغني والفقير¡ ها قد أدرك منظرو القوة الكاسحة¡ وهم يرزحون تحت قبضة كورونا¡ أن العالم لا يمكن أن يستقر بصيغة (رابحين وخاسرين)¡ وأن من مصلحة الجميع أن يربح الجميع.
قد تبدو هذه أحلام زاهية¡ وتفاؤل مسرف¡ لكن كما علمنا منطق التاريخ¡ الولادات الجديدة تتبع المحطات المؤلمة¡ ومن يدري¿ ربما يكون هذا الهواء النقي الذي بتنا نتنفسه أول إرهاصات التغيير القادم¡ عدا ذلك سنبقى محكومين بقدر سيزيف¡ كلما دفعنا الصخرة (الوعي الإنساني) إلى الأعلى¡ عادت الصخرة تتدحرج أمام أعيننا الذاهلة إلى القاع السحيق.




http://www.alriyadh.com/1821070]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]