المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجغرافيا والخارطة الذهنية



المراسل الإخباري
06-19-2020, 02:20
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن من لا يقرأ التاريخ بجغرافيته¡ لا يمكن أن نقبل منه أن يتحدث في الأمور الجيوسياسية والجيواجتماعية دون أن يقرأ تاريخه بهذه الأدوات¡ فهي سبل الاستدلال والمنطق والإقناع والاقتناع¡ فهل تتحرك الجغرافيا في رأسك وأنت تتحدث عن التاريخ وعن السياسة¿
بكل تأكيد أن الفرد منا يعلم الاتجاهات شرقها من غربها وجنوبها من شمالها¡ ولو أن الأغلب قد لا يحددها إلا بالاستعانة بالبوصلة. أمر عجيب غريب أن يجلس الفرد منا في مكان لا يعلم موقعه منه بالتحديد! ألم يتساءل الواحد منا حين مرة وهو جالس عن مكانه عن موقعه من المدينة ومن الدولة ثم من العالم¿!
كلها محددات موجبة علينا أن نكون على الاستعداد للإجابة عليها في أي لحظة كانت أينما وجدنا في بلاد الله.
ويعود مصطلح (الجغرافيا) إلى أصل اللغة الإغريقية¡ ترجمتها بالعربية "وصف الأرض". وقد كانت كذلك في بدايتها حيث كان الرحالة يصفون ويسجلون مشاهداتهم عن البلاد والأقاليم التي يقومون بزيارتها. أما عند العرب فقد استعملوها - وخاصة الفلاسفة المسلمين - تعبيراً عن صورة الأرض مسالكها وممالكها وعلم الطرق والبلدان. وهو علم واسع ينقسم إلى قسمين الأول (جيو) هي كلمة يونانية الأصل تعني الأرض¡ والقسم الثاني كلمة (غرافيا) وهي علم دراسة الأرض بأقسامها المتعددة (geographic).
وفي معرض ارتباط هذا العلم عند الفلاسفة المسلمين - كما أسلفنا - بدراسة مسالك الأرض وممالكها¡ يقودنا ذلك إلى ربط التاريخ بالجغرافيا - في تزاوج حتمي - وهذا أمر مهم قد يغيب عن أذهان العامة من الناس غير المتخصصين¡ وهو ما قادنا إلى كتابة هذا المقال¡ من ذلك الخوض الواسع في الأمور السياسية والاجتماعية وغير ذلك كلٌ ينشئ مساحات من الرأي الذي يجب علينا احترامه على أي حال¡ ولكن الأهم هو: هل يعلم المنشئون هؤلاء - الذين يصدعون رؤوسنا بتنظيراتهم - بموقعهم من العالم! هل أنشأ الواحد منا خريطة ذهنية تتحرك في رأسه حين يتحدث عن تحرك التاريخ ماضيه وحاضره قبل أن تتحرك أفكاره في رأسه¿!
أعتقد أننا لو فاجأنا أياً من هؤلاء بسؤال عن موقع مدينة في كندا أو أستراليا أو الهند أو السند أو حتى مدينته هو¡ فلن نجده يحدد موقعها دون الاستعانة بالسيد (غوغل)!
فعلام إذاً يتحدث¿! وكيف يتقن الحديث عن التاريخ وعن السياسة هو لا يجعل جغرافية الأزمنة والأمكنة تجول في رأسه التي تشكلت كما الكرة الأرضية للربط بين الاثنتين! ولذا فالحديث عن التاريخ هو فعل زمكاني ذهني¡ يطفو على خارطة الفكر بالضرورة¡ ومن هنا يكتسب مصداقية ذات استدلال منطقي احترافي علمي موثق¡ هذا وإلا تضاءل الحق والمعرفية فيما يسطره من آراء ترشحه إلى موقع الفذ حسبما يتراءى له!
أتذكر أنني وقفت أمام أستاذي الكبير الدكتور فوزي فهمي وأنا طالبة بأكاديمية الفنون في إحدى (السيمينارات) أشرح (رؤية إخراجية لنص دونجوان للكاتب الفرنسي موليير) وقد يقول قائل: ما علاقة إخراج نص مسرحي بعلم الجغرافيا إذا ما انبرى أي منا في مناقشة رؤية إخراجية لنص من النصوص¿ لكن أستاذي الكبير فاجأني - وأنا منهمكة في شرح التفاصيل الفنية للرؤية الإخراجية - بسؤال غير خاطر ببال: وهو أن أرسم له خارطة العالم بتفاصيلها على اللوح أمام الأساتذة الكبار والطلبة¡ حينها حمدت الله أنني أعشق علوم الجغرافيا وبتوءمتها مع التاريخ فكان له ما أراد.
ولذلك حينما سألتني إحدى تلميذاتي عن درس في التاريخ سألتها: هل تجيدين علم الجغرافيا ورسم الخرائط¿ ذلك لأنه لن يتسنى لنا فهم أحدهما من دون الآخر. هذا التزاوج في المعرفة بشرط تداخلها¡ هو ما يجعلنا نفكر بحرفية مستفيضة في تعاطي الأفكار¡ رفضها أو قبولها¡ لأننا في لحظة خاطفة سوف نكون في قلب العالم يتحرك في أذهاننا منتجة لنا المتعة والمعرفة والمصداقية¡ أيضاً إذا ما حضر العالم جله بين أيدينا بوهاده¡ وجباله¡ وأوديته¡ ومنابع أنهاره¡ وحدوده وقل ما تشاء. فلا نستطيع أن نتحدث دون وقدة الشعلة الذهنية فينا حين التحدث وإبداء الرأي لأنها تجعلنا نبحر في وهج المنطق والفعل والاستدلال وبالتالي المصداقية والإقناع.
إن علم الاتجاهات الجيوغرافية هو بذرة تحديد الواحد منا موقعه من عالمه ومن قضيته سواء لعالمه الداخلي أو الخارجيº وخاصة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي من أهم معالمها تحديد موقعك من العالم على كل المستويات¡ حينما تضغط بأصابعك على أزرار جهازك! لكي تتعاطى فكراً بفكر ورأياً برأي¡ فكيف يتأتى لنا ذلك دون علمنا بتلك البقعة واتجاهاتها التي تأتي من أقصى الأرض دون أن نحدد نحن اتجاهاتها الجغرافية والتاريخية والفكرية¡ سؤال بدهي وبسيط لكنه مهم للغاية قبل الانبراء في طرح الأفكار بالقبول أو حتى بالرفض!
لقد اعتدت دائماً حينما أضع حقائبي - والكثير مثلي - في غرفة الفندق حينما أفد إلى أي بلد أن أتجول في ذات الفندق لكي أحدد اتجاهاته ثم أحدد موقعي منه¡ فلا أستطيع أن أمكث في أي مكان دون تحديد موقعي منهº ثم أتجول في المدينة لكي أحدد موقع الفندق منها¡ وبعدها أستطيع العودة بعد استقرار الخريطة الذهنية في رأسي¡ وكذلك لابد أن يكون التاريخ حينما نقرؤه¡ فلا مجال لقراءة التاريخ دون ذلك التجوال المتخيل في رؤوسنا بما تتحرك به الجغرافيا.
إن من لا يقرأ التاريخ بجغرافيته¡ لا يمكن أن نقبل منه أن يتحدث في الأمور الجيوسياسية والجيواجتماعية دون أن يقرأ تاريخه بهذه الأدوات¡ فهي سبل الاستدلال والمنطق والإقناع والاقتناع¡ فهل تتحرك الجغرافيا في رأسك وأنت تتحدث عن التاريخ وعن السياسة¿ سؤال مهم لأولئك (الفيس بوكيين والتويتريين) وعشاق وسائل التواصل الاجتماعي!




http://www.alriyadh.com/1827062]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]