المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قراءة في منهجية الأخلاق الإنسانية



المراسل الإخباري
11-04-2020, 19:32
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن ما يمنح الفرد قدرة على أن يكون كما هو بلا تناقضات لا يكمن في الأشياء التي من حوله ولا فيما يبذله من رغبة في التشوف إلى الآخرين بحثًا عن صورة حسنة بينهم¡ بل يكمن في الأساس في قدرته المستمرة على الوثوق بما يؤمن به من أفكار وأخلاق¡ وتحديه المستمر لنفي التجاذبات التي توهم بالتناقض¡ بالإضافة إلى القناعة التي تضعه أمام حقيقته البسيطة في مختلف أحواله..
نحاول أن نقف على كتاب صوت الوسطية السيرة الفكرية للشيخ صالح الحصينº وذلك لتأثير نظرياته على الأوساط الاجتماعية والثقافية والفكرية¡ وتحظى باهتمام واسع بين مختلف الدوائر الفكرية والبحثية وذلك لتفرده بقدرة تحليلية عميقة ودقيقة ومتسامحة.
وهذه المراجعة تمثل مفاتيح للاسترشاد حول منهجه الفكري والذي يقوم على مفردات الزهد والتسامح والحكمة بشكل عفوي¡ ذلك أن الإنسانية هي السمة البارزة في شخصيته فهو لا يمنح صفاته المتواضعة وأخلاقه الرفيعة قيمة مضافة على الآخرين ولا يتصور توهمًا يجعله مقبولًا بينهم نتيجة لقصد إرادي يتوخاه عند الناس بل ينبثق ذلك عنه انبثاقًا عفويًا نتيجة لتصالحه مع ذاته من ناحية ونتيجة لحساسيته في اتخاذ المواقف الأخلاقية.
فطبيعة الحالة الرمزية التي أصبح فيها الشيخ صالح الحصين مرجعًا اجتماعيًا عكس في وعي الناس وعقولهم ضميرًا حيًا للشخصية التي يمكن أن تكون شخصية معيارية وقابلة للتمثل بوصفها شخصية عامة لكن هذه المنزلة المرجعية للشيخ صالح الحصين في الحس الأخلاقي العام للمجتمع لم تلحقه من حيث كونه أحد العلماء بل كانت تلك المنزلة المرجعية من انسجامه الأخلاقي المتكامل والمرتبط بالمثالية وحالة من القدرة على توظيف العلاقات ضمن إطار واحد حقق من خلاله تلك السمعة الحسنة.
ذلك أن من أهم السمات التي عكسها الشيخ في حراكه العام وحياته بين الناس تطبيقه للكثير من خبراته المعرفية المتنوعة¡ فالشيخ يمتلك قدرة فريدة على استبطان وعيه بالناس ومعرفته بهم من خلال مستويات متعددة لهويته المعرفية ذاتها¡ فهو بالرغم من كونه شيخًا عرفه الناس في وظائف متعددة إلا أنه عرف تجارب إنسانية مختلفة ولم يكن يصدر في تصرفه وخبرته بالناس عن حالة واحدة بل كان يضمر ثقافته المتنوعة العصرية والشرعية من ناحية وكان يعكس خبرات حياته بمنهجية عبرت عن تمازج فريد بين إمساكه بخصائص مجتمعه الذي تماهى مع أفضل ما فيه وخبرته التي حازها من مجتمعات أخرى في الشرق والغرب من ناحية ثانية.
وهكذا فيما كان الشيخ صالح يختبر علاقاته بموازاة مجتمعه بما فيه من تنوع لشرائح اجتماعية مختلفة ليس فقط لتواضعه وزهده ونزاهته وإنما كذلك لإدراكه شفرة التعامل مع مجتمعه بمختلف شرائحه مسنودًا بمعرفة دقيقة بطبيعة الحوار وأدواته.
إن إمساكه بمفاصل الوعي الناظم لطبيعة علاقاته السلسة والميسورة مع أطياف المجتمع كان أكبر دليل على تأهيله لتلك المنزلة الأخلاقية الرفيعة التي حازها بين الناس¡ تلك الطاقة الخفية التي خص الله بها الشيخ صالح للتودد للآخرين وحبهم والإحسان إليهم بألطف المداخل إلى نفوسهم مع الإلمام التام بكل الوسائل التي تجعل من إحساسهم به غاية في التأثر بلطفه وحبه وحكمته.
ذلك أنه لا يحصر معاملته وفق مجالات فئوية أو اعتبارية أو قرابية¡ فمن خلال هذه التحديات سيأتي السلوك مبررًا بجملة من الاعتبارات النفعية ومن ثم يفقد طابعه الإنساني والأخلاقي والديني¡ أما حين يتجلى السلوك الأخلاقي متوافقاً مع جميع الفئات والمستويات في مجال الحياة العامة وينعكس بمستوى واحد من الدلالة على الجميع عند ذلك يكشف عن حقيقته الإنسانية¡ لهذا السبب كان الشيخ لا يحيط نفسه بأي صفة استثنائية.
فتلازم فكرة خدمة الناس التي تقتضيها المكانة العامة مع التواضع هو جوهر الفعل الأخلاقي¡ ذلك أن ما يمنح الذات طابعها الخاص وسمتها الشخصي لا يأتي من خلال التصنع والتكلف أمام الناس بل ينبع في الأساس كانبثاق تلقائي للسلوك وسجية طبيعية للتعامل مع البشر بوصفهم مستحقين لذلك السلوك في مختلف هيئاتهم وفئاتهم.
فحالة الصدق مع النفس والتواضع مع الناس والنظر إليهم بمقياس الأخلاق لا المنفعة هي التي تمنح صاحبها إجماعًا عامًا من قبل الآخرين وقبولًا متفقًا عليه بينهم¡ فلن يكون مقبولًا بين الناس من فرق بينهم في بذل أخلاق النفس حيال التعامل معهم أو من صانعهم وتكلف لهم فيما هو يضمر غير ذلك.
ولذلك فعندما يحب الناس فردًا بطريقة عفوية فذلك يعني قبولًا للصفات الأخلاقية الكائنة فيه.
إن ما يمنح الفرد توازنه الأخلاقي لا يتصل في الغالب بفكرة الناس عنه بل يتصل بالأساس بفكرته ورؤيته لنفسه والتصالح معها والقدرة على استقطاب تناقضاتها.
ذلك أن فكرة الفرد عن نفسه أهم من فكرة الناس عنه¡ إن ما يمنح الفرد قدرة على أن يكون كما هو بلا تناقضات لا يكمن في الأشياء التي من حوله ولا فيما يبذله من رغبة في التشوف إلى الآخرين بحثًا عن صورة حسنة بينهم¡ بل يكمن في الأساس في قدرته المستمرة على الوثوق بما يؤمن به من أفكار وأخلاق¡ وتحديه المستمر لنفي التجاذبات التي توهم بالتناقض¡ بالإضافة إلى القناعة التي تضعه أمام حقيقته البسيطة في مختلف أحواله¡ فعندما يحب الناس فردًا بطريقة عفوية فذلك يعني قبولًا للصفات الكامنة فيه.




http://www.alriyadh.com/1851379]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]