المراسل الإخباري
11-22-2020, 07:13
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
بديهٌ أنك اليوم قادر أن تقرأ ترجمات العرب المسلمين الأوائل لتراث اليونان¡ وتَطّلع عليها¡ وتأخذ مصطلحات أفلاطون وأرسطو من أفواههما وشبا أقلامهما¡ وتُجادل غيرك في فهمه لهما وتصوره عنهما¡ وهذي هي الغاية التي يسعى لها كل واع بالبحث العلمي خبير به..
للمجتمعات سير¡ وللدول تاريخ¡ وهما في كثير من جوانبهما¡ إن لم يكن كلها¡ راجعان إلى المصطلحات عائدان إليها¡ ومعرفة هذه المصطلحات معرفة بسيرة ذاك المجتمع وتاريخه¡ والتفات إلى الحقب الذهنية التي انتظمته¡ وعاش فيها¡ وذاك تاريخ للعقل: ما الذي قاده¡ وأثّر فيه¿ وما الذي شغله¡ واستبدّ به¿ وخير التواريخ¡ أنفعها للناس وأعودها عليهم¡ التاريخ الذي يسبر حقب العقل¡ يتلمّس المؤثّرات فيه¡ ويُبرز الموجهّات له¡ ويُقدّم للبشر تاريخهم العقلي من خلال عرض المفاهيم التي دارت أذهانهم حولها واستُغرقت جهودهم فيها¡ وكانت للعقل شَرَكًا (حبالة الصيد) لم يستطع الخلوص منها¡ وما كانت سوى ثمرة من ثماره! ولا ريب عندي أننا نحن الخليجيين أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى التاريخ العقلي الذي يرصد أهم المؤثرات¡ وينشغل بها¡ وكل ذلك حتى نعرف ما نقصنا وفات علينا¡ ونُعطي العقلَ تاريخَه وتضاريسه ما يستحق من درس وتأمل¡ بهما يدرك المنتمي إلى هذه المنطقة الجغرافية صورة العقل فيها وهيئته¡ وتلك هي اللبنة الأولى في المضي به قُدُماً إلى حيث تأخذه عزيمته¡ وتمضي به تطلُّعاته.
وتاريخ العقل السعودي والخليجي¡ إذا قبلتم هذا الطرح وتسامحتم معه¡ راجع إلى مجموعة من المصطلحات ومفاهيمها¡ مصطلحات محليّة ومصطلحات عابرة للحدود¡ كان لها هيمنة على العقل وتوجيه له وللمسارات التي مضى فيها¡ ودفعت كثيرين للحدّة المرحلية والعنف اللفظي الوقتي¡ ومع ما قادت إليه من ذلك لم نجد من عمد إلى موطن المصطلحات العابرة يستفتي عبر الترجمة أهلَه ويسألهم عنها ويترجم لنا ذلك منهم¡ ويقول: هذا ما قاله الغربي عن التنوير والحداثة وما بعد الحداثة والديموقراطية والبنيوية¡ وهذا ما قاله عن النظريات النقدية والاجتماعية والنفسية¡ لقد بقينا نحن الذين لا نعرف لغةً غير العربية دون عون في رحلتنا وراء اليقين والبحث عنه.
جرى نزاع كبير¡ وكان المجتمع فريقين¡ اصطّف فريق مع جَلَبة (جمع جالب) المفاهيم والمصطلحات¡ ووقف الجمهور الأغلب مع حراس العقل وحماته¡ والذي يعجب منه مثلي أن ما أثارته هذه المصطلحات المجلوبة من اصطراع محلي¡ لم يبعث جالبوها على ترجمة ما كتبه مؤلفوها حتى تُؤخذ عنهم ويُعرف المراد بها منهم¡ وإنما ظللنا نجوب ميدان صراع¡ خلقته أفهام أبناء وطننا حول تلك المصطلحات¡ ونسينا جميعاً¡ ونسي الجلبة قبلنا¡ أن المفاهيم ينبغي أن تُستقى من منتجيها¡ وتُفهم منهم¡ وذاك مبدأ رئيس من مبادئ البحث العلمي¡ فحواه الاتكاء على المصادر الأساسية للأفكار¡ وليس على ما فهمه منها ناقلوها¡ لئلا تخسر الأفكار ويخسر الناس في الضوضاء حول فهم الناقل الذي لا يبعد أن يكون استقاها من مصادر وسيطة أيضاً! ثم نثرها بين أيدي الناس¡ وجعلها محلّ ولاء وبراء في الثقافة¡ مَنْ قال بها¡ حسب ما فهمه منها¡ فهو المثقف والأديب¡ ومن طرحها¡ ومجّ دعوتها¡ فهو عدو الثقافة ومدبر عن الأدب وأهله!
تزخر مكتباتنا بالكتب التي تُعالج المصطلحات المحلية وتدرسها¡ وتتناول ما حمله التراث منها¡ توضحه وتبيّن معناه¡ وتنسبه إلى صاحبه الأول¡ وترصد ما أجراه الأخلاف على مفهومه¡ وهذا شيء يعرفه كل مطلع على التراث -مذاهبه ورجاله- فمن ذا لم يسمع بالخوارج والمعتزلة ومسألة القضاء والقدر مثلاً¿ ومن ذا يريد كتباً في هذه المسائل والقضايا¡ وغيرها مما لا زال محلّ جدل ونقاش¡ ولا يجدها في المكتبات وقد صيغت بأيدي الخبراء العارفين¿
وبديه أنك اليوم قادر أن تقرأ ترجمات العرب المسلمين الأوائل لتراث اليونان¡ وتَطّلع عليها¡ وتأخذ مصطلحات أفلاطون وأرسطو من أفواههما وشبا أقلامهما¡ وتُجادل غيرك في فهمه لهما وتصوره عنهما¡ وهذي هي الغاية التي يسعى لها كل واع بالبحث العلمي خبير به¡ بيد أننا نحن الخليجيين¡ ومحور اهتمامي السعوديون أبناء وطني¡ لم نقم بهذا الدور¡ فلم يترجم من جاء بنظريات النقد الأدبي شيئاً من تلك النظريات عن أصحابها ومؤسسيها¡ ولم ينقل لنا المختص بالاجتماع نظرياته عن أساتذته الذين درس على أيديهم¡ وقل مثل ذلك في علم النفس ونظرياته¡ فأمام القارئ الذي يسعى إلى معرفة ما قاله أساتذة طلابنا الذاهبين إلى الغرب¡ والدارسين عليه¡ خَرْطُ قَتاد قبل أن يعرف ذلك ويصل إليه!
إنّ حركة الترجمة في العصر العباسي حظيت بثناء الأكاديميين والمثقفين¡ واجتمعت أقوالهم حول ريادتها¡ بيدَ أن موقفهم هذا لم يدعُهم إلى اقتفاء أثر الأسلاف في هذه الريادة¡ فبقوا يمدحونها ويُثنون عليها¡ ولم يتجاوزوا هذا إلى إحيائها في هذا العصر¡ وكنّا فيه أحوج إليها من أسلافنا¡ وهم وأقصد الدارسين في الغرب أقدرُ عليها¡ وهي أيسر عليهم وأخف مؤونة¡ فليتهم كانوا كأسلافهم في الترجمة عن اليونان¡ ترجموا ما درسوا ونقلوا ما عُلّموا¡ فذاك أحسن لثقافتنا وأليق بهم¡ وهم سُفراء المعرفة.
http://www.alriyadh.com/1854747]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
بديهٌ أنك اليوم قادر أن تقرأ ترجمات العرب المسلمين الأوائل لتراث اليونان¡ وتَطّلع عليها¡ وتأخذ مصطلحات أفلاطون وأرسطو من أفواههما وشبا أقلامهما¡ وتُجادل غيرك في فهمه لهما وتصوره عنهما¡ وهذي هي الغاية التي يسعى لها كل واع بالبحث العلمي خبير به..
للمجتمعات سير¡ وللدول تاريخ¡ وهما في كثير من جوانبهما¡ إن لم يكن كلها¡ راجعان إلى المصطلحات عائدان إليها¡ ومعرفة هذه المصطلحات معرفة بسيرة ذاك المجتمع وتاريخه¡ والتفات إلى الحقب الذهنية التي انتظمته¡ وعاش فيها¡ وذاك تاريخ للعقل: ما الذي قاده¡ وأثّر فيه¿ وما الذي شغله¡ واستبدّ به¿ وخير التواريخ¡ أنفعها للناس وأعودها عليهم¡ التاريخ الذي يسبر حقب العقل¡ يتلمّس المؤثّرات فيه¡ ويُبرز الموجهّات له¡ ويُقدّم للبشر تاريخهم العقلي من خلال عرض المفاهيم التي دارت أذهانهم حولها واستُغرقت جهودهم فيها¡ وكانت للعقل شَرَكًا (حبالة الصيد) لم يستطع الخلوص منها¡ وما كانت سوى ثمرة من ثماره! ولا ريب عندي أننا نحن الخليجيين أحوج ما نكون في هذه المرحلة إلى التاريخ العقلي الذي يرصد أهم المؤثرات¡ وينشغل بها¡ وكل ذلك حتى نعرف ما نقصنا وفات علينا¡ ونُعطي العقلَ تاريخَه وتضاريسه ما يستحق من درس وتأمل¡ بهما يدرك المنتمي إلى هذه المنطقة الجغرافية صورة العقل فيها وهيئته¡ وتلك هي اللبنة الأولى في المضي به قُدُماً إلى حيث تأخذه عزيمته¡ وتمضي به تطلُّعاته.
وتاريخ العقل السعودي والخليجي¡ إذا قبلتم هذا الطرح وتسامحتم معه¡ راجع إلى مجموعة من المصطلحات ومفاهيمها¡ مصطلحات محليّة ومصطلحات عابرة للحدود¡ كان لها هيمنة على العقل وتوجيه له وللمسارات التي مضى فيها¡ ودفعت كثيرين للحدّة المرحلية والعنف اللفظي الوقتي¡ ومع ما قادت إليه من ذلك لم نجد من عمد إلى موطن المصطلحات العابرة يستفتي عبر الترجمة أهلَه ويسألهم عنها ويترجم لنا ذلك منهم¡ ويقول: هذا ما قاله الغربي عن التنوير والحداثة وما بعد الحداثة والديموقراطية والبنيوية¡ وهذا ما قاله عن النظريات النقدية والاجتماعية والنفسية¡ لقد بقينا نحن الذين لا نعرف لغةً غير العربية دون عون في رحلتنا وراء اليقين والبحث عنه.
جرى نزاع كبير¡ وكان المجتمع فريقين¡ اصطّف فريق مع جَلَبة (جمع جالب) المفاهيم والمصطلحات¡ ووقف الجمهور الأغلب مع حراس العقل وحماته¡ والذي يعجب منه مثلي أن ما أثارته هذه المصطلحات المجلوبة من اصطراع محلي¡ لم يبعث جالبوها على ترجمة ما كتبه مؤلفوها حتى تُؤخذ عنهم ويُعرف المراد بها منهم¡ وإنما ظللنا نجوب ميدان صراع¡ خلقته أفهام أبناء وطننا حول تلك المصطلحات¡ ونسينا جميعاً¡ ونسي الجلبة قبلنا¡ أن المفاهيم ينبغي أن تُستقى من منتجيها¡ وتُفهم منهم¡ وذاك مبدأ رئيس من مبادئ البحث العلمي¡ فحواه الاتكاء على المصادر الأساسية للأفكار¡ وليس على ما فهمه منها ناقلوها¡ لئلا تخسر الأفكار ويخسر الناس في الضوضاء حول فهم الناقل الذي لا يبعد أن يكون استقاها من مصادر وسيطة أيضاً! ثم نثرها بين أيدي الناس¡ وجعلها محلّ ولاء وبراء في الثقافة¡ مَنْ قال بها¡ حسب ما فهمه منها¡ فهو المثقف والأديب¡ ومن طرحها¡ ومجّ دعوتها¡ فهو عدو الثقافة ومدبر عن الأدب وأهله!
تزخر مكتباتنا بالكتب التي تُعالج المصطلحات المحلية وتدرسها¡ وتتناول ما حمله التراث منها¡ توضحه وتبيّن معناه¡ وتنسبه إلى صاحبه الأول¡ وترصد ما أجراه الأخلاف على مفهومه¡ وهذا شيء يعرفه كل مطلع على التراث -مذاهبه ورجاله- فمن ذا لم يسمع بالخوارج والمعتزلة ومسألة القضاء والقدر مثلاً¿ ومن ذا يريد كتباً في هذه المسائل والقضايا¡ وغيرها مما لا زال محلّ جدل ونقاش¡ ولا يجدها في المكتبات وقد صيغت بأيدي الخبراء العارفين¿
وبديه أنك اليوم قادر أن تقرأ ترجمات العرب المسلمين الأوائل لتراث اليونان¡ وتَطّلع عليها¡ وتأخذ مصطلحات أفلاطون وأرسطو من أفواههما وشبا أقلامهما¡ وتُجادل غيرك في فهمه لهما وتصوره عنهما¡ وهذي هي الغاية التي يسعى لها كل واع بالبحث العلمي خبير به¡ بيد أننا نحن الخليجيين¡ ومحور اهتمامي السعوديون أبناء وطني¡ لم نقم بهذا الدور¡ فلم يترجم من جاء بنظريات النقد الأدبي شيئاً من تلك النظريات عن أصحابها ومؤسسيها¡ ولم ينقل لنا المختص بالاجتماع نظرياته عن أساتذته الذين درس على أيديهم¡ وقل مثل ذلك في علم النفس ونظرياته¡ فأمام القارئ الذي يسعى إلى معرفة ما قاله أساتذة طلابنا الذاهبين إلى الغرب¡ والدارسين عليه¡ خَرْطُ قَتاد قبل أن يعرف ذلك ويصل إليه!
إنّ حركة الترجمة في العصر العباسي حظيت بثناء الأكاديميين والمثقفين¡ واجتمعت أقوالهم حول ريادتها¡ بيدَ أن موقفهم هذا لم يدعُهم إلى اقتفاء أثر الأسلاف في هذه الريادة¡ فبقوا يمدحونها ويُثنون عليها¡ ولم يتجاوزوا هذا إلى إحيائها في هذا العصر¡ وكنّا فيه أحوج إليها من أسلافنا¡ وهم وأقصد الدارسين في الغرب أقدرُ عليها¡ وهي أيسر عليهم وأخف مؤونة¡ فليتهم كانوا كأسلافهم في الترجمة عن اليونان¡ ترجموا ما درسوا ونقلوا ما عُلّموا¡ فذاك أحسن لثقافتنا وأليق بهم¡ وهم سُفراء المعرفة.
http://www.alriyadh.com/1854747]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]