المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التَّكــلُّف



المراسل الإخباري
12-03-2020, 05:03
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
التكلُّفُ العلمي والفكري من أخطر أنواع التكلف¡ وأسوأ مظاهره التعالم والفتوى بغير علم¡ والمتكلِّفُ المتعالم يُخيَّلُ إليه أنه يضع من قدره أن يَكِلَ العلم إلى أهله¡ وأن يترك المجال لذويه¡ وما درى أن الضَّعة كل الضَّعة في التعالم¡ وأن الرفعة والنبل في الابتعاد عنه..
طبيعة الإنسان حبُّ التميزِ وعشق الوقوف في الصفِّ الأول¡ والتَّوقُ إلى وهج الشهرة¡ فإن كان ممن له آلاتٌ ومواهبُ تؤهله للتصدّر فهو وذاك¡ وعندئذٍ إن استغلها للتصدّر فيما ينبغي وما يعود نفعه عليه وعلى غيره فهو محمودٌ في السعي إلى معالي الأمور¡ والإسهام في النفع العام¡ وإن استغلَّها في حُبِّ الظهور الفارغ¡ أو البروز في مجالات غير مرغوب فيها¡ أو فيما يتضرر هو وغيره به فهو مذمومº لصرفه نعمة الإمكانات فيما لا ينبغي أن تصرف فيه¡ وإن لم تكن له آلةٌ تمكنه من التميز أو الظهور فإما أن يكون موفقاً مسدداً فيقف عند حده ولا يتكلَّف¡ ويكبت النفس التوَّاقة إلى المنافسة والمجاراة¡ وإما أن تغلبه نفسه فيتكلَّفُ ما لا تصل إليه يده إلا بشكلٍ خاطئٍ أو بوسائل غير مشروعة¡ والتكلُّفُ يجري في مجالاتٍ كثيرةٍ منها:
أولاً: التكلف المادي¡ وهو شائع وله صور كثيرة¡ وترجع إلى طموح عين الإنسان إلى أن يساير في نمط حياته من هو أكثر منه ذات يدٍ¡ والمشكلة أن تلك الرغبة الجامحة لا تحمل المتكلِّفَ على تعاطي الأسباب الصحيحة لتحصيل ما حصَّله غيرُهُ¡ بل يقفز على تلك الطرق¡ ولا يتأتى له ذلك إلا بارتكاب ما هو في غنى عنه من إنفاق على كماليات على حساب واجبات¡ أو اقتراض يعمرُ به ذمته وقد يعرِّض به الدائنين لمشكلات المطل والمطالبات¡ بل من المتكلفين من يقدم على الكسب غير المشروع استجابة لدواعي التكلُّف.
ثانياً: التكلُّفُ العلمي والفكري وهو من أخطر أنواع التكلف¡ وأسوأ مظاهره التعالم والفتوى بغير علم¡ والمتكلِّفُ المتعالم يُخيَّلُ إليه أنه يضع من قدره أن يَكِلَ العلم إلى أهله¡ وأن يترك المجال لذويه¡ وما درى أن الضَّعة كل الضَّعة في التعالم¡ وأن الرفعة والنبل في الابتعاد عنه¡ فعن مسروق قال: دخلنا على عبد الله بن مسعود قال يا أيها الناس من علم شيئاً فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم فإن من العلم أن يقول لما لا يعلم الله أعلم قال الله عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم: «قل ما أسألكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين» أخرجه البخاري¡ ولو قاس كلٌّ منا مساحةَ إمكاناته العلمية والفكرية¡ ولم يتجاوزها إلى ما وراءها¡ لكان ذلك مباركاً عليه وعلى الأمة¡ ولكفى الناس شرَّ اجتهاداتٍ خاطئةٍ ومزايداتٍ فارغةٍ¡ والأمة تعاني من آثار التكلُّف العلمي والفكري¡ خصوصاً من قبل الجماعات المنحرفة فكريًّا التي تأسست على أيدي أناسٍ ركبوا موجة التعالم الفكري¡ ولم يصغوا إلى أهل العلم والحكمة والاعتدال من علماء أهل السنة الراسخين.
ثالثاً: التكلُّفُ الاستطلاعي¡ فبعض الناس يتكلَّفُ في التوصُّلِ إلى خبايا الناس¡ وما يتكلَّفُ هذا المتكلِّفُ في الوصول إليه إما أن يكون مما لا ينتفع هو ولا غيره بمعرفته¡ ولا يتضرَّرُ صاحب الشأن بفشوه¡ فيكون التطلُّعُ إليه مجرد فضولٍ وانشغالٍ بما لا يعنيه¡ ومثل هذا مما لا يشتغل به العقلاء وأهل الأحلام¡ بل المندوب التسامي عنه¡ فعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه¡ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من حُسنِ إسلام المرء تركه ما لا يعنيه)¡ أخرجه الترمذي وغيره¡ وإما أن يكون من عورات الناس التي يُخجلهم انكشافها¡ ولا تدعو إلى التنقيب عنها حاجةٌ عامةٌ من قبل السياسة الشرعية والتحريات الأمنية أو الإجراءات القضائية¡ بل يتعاطى التنقيب عنه** فضوليٌّ مُتطفِّلٌ ليس له سندٌ يُخوِّلُهُ ذلك¡ فهذا من قبيل تتبع عورات الناس¡ وهو مذمومٌ متوعَّدٌ عليه¡ فعن أبي برزة الأسلمي رضي الله تعالى عنه¡ قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر من آمن بلسانه¡ ولم يدخل الإيمان قلبه¡ لا تغتابوا المسلمين¡ ولا تتبعوا عوراتهم¡ فإنه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته¡ ومن يتبع الله عورته يفضحه في بيته» أخرجه أبو داود وغيره¡ وكل هذه التكلُّفات السابقة يوجد في حياتنا اليوم ما يُغري بها¡ ويجعل المسلم في امتحانٍ صعبٍ لتفاديها¡ فالتكلُّفُ المادي تُغري به عرض المرغوبات المادية بشتى وسائل الترويج المتاحة¡ والتكلُّفُ العلمي والفكري تُغري بهما وسائل التواصل الاجتماعي¡ فالمتكلِّفُ يجد فيها فرصة ليهيم في كل وادٍ لا معرفة له بمداخله ولا مخارجه¡ وحشر أنفه في كل شأنٍ لا ناقة له فيه ولا جمل¡ ظنّاً منه أن الكلام في العلم والفكر حقٌّ مُشاعٌ لكل من أمكنه أن يكتب جملاً¡ أو يسجل مشاركة¡ كما أن اختراق خصوصيات الناس بواسطة التقنية الحديثة أصبح من صور تطفُّل المتكلِّفين.




http://www.alriyadh.com/1856698]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]