المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : معالجة السلوكيات



المراسل الإخباري
12-17-2020, 02:58
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ممّا يُعينُ على معالجة السلوك الاقتداء بالأبرار الكرام الفضلاء¡ وأكرمُ الناس وأحمدُهم طريقة وأسمحُهُم خليقة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -¡ فاتباع سنته أخصر الطرق إلى سموِّ الأخلاق ونماء الفضائل¡ وشهامة النفوس والتسامي عن رذائل الأعمال..
يحظى المرء بما كُتِبَ له من الشيم والأخلاق كما يحظى بسائر حظوظه المعنوية والمادية¡ والخلقُ الحسنُ رزقٌ من الأرزاق تميل النفوس إلى من جُبِلَ عليه¡ وينال به صاحبه من الحظوة والوجاهة ما قُدِّرَ له¡ كما أن سوء الخلق وشراسة الطبع وضيق العطَن إذا لم يُعالج كما ينبغي¡ ولم يخضع للتشذيب والتهذيب فإنها مدعاةٌ إلى نفرة النفوس عن الـمُتحلِّي بها¡ وسدٌّ منيعٌ يحول دون نُبلِ الإنسان¡ وإذا كان كذلك فكيف يكبح المرء نزَقَ طبعه إذا جَمَحَ به في تلك المتاهات¿ الجواب عن هذا السؤال المهم في الوقفات التالية:
الوقفة الأولى: أول خطوة يجب أن يخطوَها الإنسان في مسيرة معالجة الأخلاق هي الصدق مع نفسه في محاسبتها على سلوكها¡ بحيث لا يخدع نفسه بتجاهل واقعه¡ بل يُخضِعُ تصرفاته ومعاملته للناس لميزان النقد العادل¡ فينظر هل كان الغالب على سلوكه أنه منضبطٌ بالضوابط الشرعية¡ والقيم والمبادئ العرفية السامية¡ فإن كان كذلك فليحمدْ ربَّه على ما أنعم به عليه¡ وليتكلَّف المحافظة على ذلك والزيادة فيه¡ وإن ظهر له أنه مُخِلٌّ بالخلال المحمودة شرعاً وعرفاً فلا يُكابر نفسَه¡ بل ليعلم أن أول مرحلة في العلاج اكتشاف المرض¡ فلا يبقى له إلا الاستعانة بالله¡ ثم السعي في معالجة ما يشعر به من دخيلة السوء¡ وتقويم الاعوجاج الحاصل في تصرفاته من غير تهوينٍ للخلل الموجود ولا تهويلٍ له¡ بل يستشعر أن نيل الاستقامة أمرٌ ميسورٌ بتوفيق الله تعالى.
الوقفة الثانية: من أهم أدوات المعالجة البداءة بمعالجة القلب¡ فالقلب ملك الجوارح¡ فإذا عُولجت عاهاته برئت الجوارح¡ وإذا خُلِّيَ بينه وبين الأمراض تنهشه لم ينجع في الجوارح علاجٌ¡ فمن كان حسوداً يسعى في إزالة النعم الممنوحة لغيره¡ ويُقلِّلُ من شأن الـمُنعَمِ عليهم¡ ثم بدا له أنه يمارس سلوكاً سيئاً¡ وأراد تقويم زيغه¡ فالطريق الصحيح لذلك أن يُراجع قلبه¡ ويسعى إلى تنقيته من أدران الحسد والغلِّ¡ ويبذل في ذلك ما أمكنه من الجهد فإذا عالجه حتى اطمأنَّ وانسلَّت سخيمته فستنقاد الجوارح له¡ فَيَكُفّ اللسان عن التطاول على المحسودين سابقاً¡ وتَكُفّ الجوارح عن فعلِ ما من شأنه أذيتهم¡ والعكس بالعكس فلو أن هذا الحسود المتعالج سلك الطريقَ الخاطئ في المعالجة¡ فلم يُعالج قلبَه¡ بل اكتفى بمعالجة تصرفاته لم يحسم الداء¡ وقصارى ما يحصل أن تخفّ بعض الآثار مؤقتاً¡ وتوشك "حليمة أن تعود لعادتها القديمة"¡ وذلك مصداق قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ألا وإن في الجسد مضغة¡ إذا صلحت صلح الجسد كله¡ وإذا فسدت فسد الجسد كله¡ ألا وهي القلب"¡ متفق عليه من حديث النعمان بن بشير رضي الله عنهما.
الوقفة الثالثة: يعالج المرء ما التوى من سلوكه بالرياضة على السلوك الحسن والتصرف السليم¡ فللارتياض والتعود أثرٌ بالغٌ في سهولة التعاطي مع الصعوبات¡ فمن صبر نفسه وراضها على ترك ما لا يليق وفعل ما يحسنُ به صُنْعُهُ استجابت له رويداً رويداً إلى أن تنقادَ لما يُراودها عليه¡ فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ - رضي الله عنه - عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «إِنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّمِ¡ وَإِنَّمَا الْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ¡ وَمَنْ يَتَحَرَّ الْخَيْرَ يُعْطَهُ¡ وَمَنْ يَتَّقِ الشَّرَّ يُوقَهُ» أخرجه البيهقي وحسنه الألباني¡ فاللائق أن يتكلَّف الإنسانُ الأخلاقَ الحسنةَ¡ وإذا أحسَّ من نفسه بخصلةٍ سيئةٍ غالَبَهَا وسَتَرَها ما استطاعَ¡ ولم يهتك عن نفسه الستر بإظهارها¡ وقد قال بعض الحكماء: "من المروءة إذا كان الرجل بخيلاً أن يكتم ذلك ويتَجَمَّلَ".
الوقفة الرابعة: مما يُعينُ على معالجة السلوك الاقتداء بالأبرار الكرام الفضلاء¡ وأكرمُ الناس وأحمدُهم طريقة وأسمحُهُم خليقة نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -¡ فاتباع سنته أخصر الطرق إلى سموِّ الأخلاق ونماء الفضائل¡ وشهامة النفوس والتسامي عن رذائل الأعمال¡ ثم بعد ذلك في الكرام الفضلاء على ممرِّ العصور قدوةٌ حسنةٌº ولهذا اهتمّ الناس بتدوين أخبار عِلْيةِ الناس من أهل العلم والسلطة والسيادة والكرمº إذ لا تخلو أخبارهم من مواقف نبيلة تبعث الهمم الفاترة¡ وتعالج النزعات الطائشة¡ كما أن في مأثور أقوالهم وأشعارهم ما يرغب في معالي الأمور¡ وينفِّر عن السفاسف والدنايا¡ قال معاوية - رضي الله عنه -: "علّموا أولادَكم الشِّعرَ فإنّي أدركتُ الخِلافةَ ونلتُ الرئاسةَ ووصلتُ إلى هذه المنزلةِ بأبياتِ ابنِ الإطنابةِ¡ فإنني يومَ الهرير كُلّما عزمتُ على الفِرارِ أنشدتُ قولَه:
أبَتْ لي عِفّتي وأبى بَلائي ... وأخْذي الحمدَ بالثَّمنِ الرّبيحِ
وقولي كُلّما جشَأَتْ وجاشَتْ ... مكانَكِ تُحْمَدي أو تَسْتَريحي
فأثبتُ وأقولُ: "مكانكِ تُحمَدي أو تستَريحي".




http://www.alriyadh.com/1859234]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]