المراسل الإخباري
12-27-2020, 11:41
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
هذه القاعدة تُجرى عليها ألفاظُ النص الشرعي¡ وتُفهم من خلالها¡ فلمفرداته مرجع مدني اجتماعي¡ ويستطيع المسلم متى أعطى هذا المرجع حقه من النظر والتأمل أن يقعَ على المعنى القريب والأقرب من دلالة النص¡ متى كان النص ذا وجوه محتملة..
تنبّه الفلاسفة منذ القدم إلى أنّ إحدى مشكلات التفكير تعود إلى الألفاظ وترجع إليها¡ فشغلتهم اللغة ودلالة ألفاظها¡ فكان مما ذكره أرسطو أنّ دلالة الألفاظ اصطلاحية وليست ذاتية¡ والظاهر من قوله أنّ هذا شيء مستقر في زمانه¡ وهذا يُفيد باختصار شديد أنّ ما يفهمه الإنسان من المفردة هو ما أراده منها¡ فليس في المفردة من المرموز إليه شيء سوى ما انبثق في ذهن الإنسان¡ وأوثقه بهذا اللفظ حتى يدلّ عليه ويُذكّره به¡ فالناس هم الذين يضعون المعاني¡ ويقترحونها للمفردات¡ وهي عملية سلسة¡ تجري دونما رقابة أوإكراه أو تدقيق¡ وفي هذا يقول أرسطو عن الألفاظ والحروف معاً: "ولذلك كانت دلالة هاتين بتواطؤ لا بالطبع" (ابن رشد¡ تلخيص العبارة¡ 12).
ولم يقف جهد الأستاذ عند هذا بل ذهب أبعد وأبعد في الحفاظ على هذه الدلالات التي تُلبسها الجماعة للألفاظ¡ فصاغ مرة أخرى في كتابه (في السياسة¡ 104) المفهوم الشهير¡ الذي ما زال الناس يتناقلونه عنه:" الإنسان من طبعه حيوان مدني"¡ ومفهوم المدنية المتشعب قائم أساساً على اللغة ودلالة مفرداتها بين الناس¡ فما المدنية سوى مجموعة من المفاهيم¡ طلى الناس بها المفردات اللغوية¡ فصارت دالة عليها بينهم¡ ومُعرّفة بها في خطاباتهم¡ ومن يخرج عن هذه الدلالات المتعارف عليها بين الناس فهو عنده أسمى من البشر¡ أو رجل سافل متوحش¡ لا يخضع لنيّر¡ وهذان الصنفان لا يحتاجان الناس¡ ومن ثمّ لم يباليا بالدلالات العرفية بينهم للألفاظ اللغوية¡ وبهذا يبين أن الأستاذ كان قد أرشد إلى ما يُمكنني تسميته (العقد الدلالي) بين الناس¡ وأنّ كل العقود عائدة إليه¡ وخارجة منه¡ وما الاجتماعية عند الإنسان سوى الوجه الآخر للعملة¡ التي وجهها الثاني حاجته واضطراره إلى غيره¡ ولولا هذه الحاجة لما استقرّت لغة¡ أو لَما كان هناك لغة أصلاً¡ ولهذا قال الأستاذ بعد ذلك عن الإنسان: "ومن الواضح أن الإنسان قابل للحياة الاجتماعية أكثر من النحل وغيره من الحيوانات الألفية".
وهذا الذي انتهى إليه المعلم الأول هو الذي نجده عند سقراط¡ مُعلّم معلمه¡ وهو اعتراف منهم أنّ مشكلة الإنسان نفسه في كلماته ودلالاته من ورائها¡ ويعرف ذلك مَنْ له اطلاع على محاورات سقراط التي حكاها عنه تلميذه أفلاطون¡ فالأستاذ في كل محاوراته يبتدئ بمعالجة الألفاظ ودلالاتها¡ ثم ينتهي بعد جدل طويل مع المحاور إلى أنّ ما كان يظنه معنى لها¡ لم يكن صواباً ولا قريباً منه¡ وسقراط ومحاوره يتناظران حول أيّهما أدق في تبيان المعنى الذي تُريده الجماعة الإنسانية من المفردة¡ أو كانت تقصد إليه وتنتجعه¡ وهكذا فمعظم خلافاتنا ترجع إلى أيّنا يمثل الجماعة ويُحسن العبارة عن مرادها في ألفاظهاº لأن الإنسان حيوان مدني¡ وأبرز وجوه مدنيته في دلالات ألفاظه.
هذه القاعدة تُجرى عليها ألفاظُ النص الشرعي¡ وتُفهم من خلالها¡ فلمفرداته مرجع مدني اجتماعي¡ ويستطيع المسلم متى أعطى هذا المرجع حقه من النظر والتأمل أن يقعَ على المعنى القريب والأقرب من دلالة النص¡ متى كان النص ذا وجوه محتملة¡ ومن أمثلة هذا النص¡ الذي أَبْعَدَ كثيراً من الناس عن المدنية والاجتماعية في فهمه ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال:" بَيْنَمَا النبي صلى الله عليه وسلم في مَجْلِسٍ يحدث الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فقال: مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بَعْضُ الْقَوْمِ: سمع ما قال فَكَرِهَ ما قال¡ وقال بَعْضُهُمْ: بَلْ لم يَسْمَعْ. حتى إذا قَضَى حَدِيثَهُ قال: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عن السَّاعَةِ¿ قال هَا أنا يا رَسُولَ اللَّهِ. قال: فإذا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. قال: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا¿ قال: إذا وُسِّدَ الْأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ".
تذهب أذهان كثيرين إلى أنّ (الساعة) هنا هي القيامة العامة للبشر¡ وأنّ الأعرابي سأل عنها¡ وعُني بها¡ وأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام أجابه عن سؤاله فيها¡ ونحن إذا نظرنا إلى هذا الحديث من خلال مدنية الإنسان واجتماعيتهº أدركنا أن الأعرابي لم تعنه أبداً قضية المجتمعات الأخرى¡ ولم يخطر بباله أن يسأل عنها¡ والرسول عليه السلام سيُجيبه وفق سؤاله¡ ويُفيده حسب قوله¡ ولن يهبَه جواباً أكبر من سؤالهº لأننا اتفقنا أن المصطفى أبلغ الناس وأدراهم بمقاصد الكلام¡ ومتى قلنا: إن الساعة هنا هي قيامة البشر¡ فقد نسبنا إليه ما لم يرد الأعرابيُّ السؤال عنه.
وليس يغيب عنا جميعاً أننا مسؤولون عن قيامة مجتمعنا وفساده¡ وما من الوارد أن نُعنى بغيره ونلتفت إليه¡ فلنفهمْ الحديث على وجهه¡ وأن الحبيب أراد أن يُخوّفنا من قيامة قبل القيامة¡ ونهاية قبل النهاية¡ فلْيحفظ كلّ منا مجتمعه¡ وليسعَ في توسيد الأمر إلى أهله.
http://www.alriyadh.com/1860850]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
هذه القاعدة تُجرى عليها ألفاظُ النص الشرعي¡ وتُفهم من خلالها¡ فلمفرداته مرجع مدني اجتماعي¡ ويستطيع المسلم متى أعطى هذا المرجع حقه من النظر والتأمل أن يقعَ على المعنى القريب والأقرب من دلالة النص¡ متى كان النص ذا وجوه محتملة..
تنبّه الفلاسفة منذ القدم إلى أنّ إحدى مشكلات التفكير تعود إلى الألفاظ وترجع إليها¡ فشغلتهم اللغة ودلالة ألفاظها¡ فكان مما ذكره أرسطو أنّ دلالة الألفاظ اصطلاحية وليست ذاتية¡ والظاهر من قوله أنّ هذا شيء مستقر في زمانه¡ وهذا يُفيد باختصار شديد أنّ ما يفهمه الإنسان من المفردة هو ما أراده منها¡ فليس في المفردة من المرموز إليه شيء سوى ما انبثق في ذهن الإنسان¡ وأوثقه بهذا اللفظ حتى يدلّ عليه ويُذكّره به¡ فالناس هم الذين يضعون المعاني¡ ويقترحونها للمفردات¡ وهي عملية سلسة¡ تجري دونما رقابة أوإكراه أو تدقيق¡ وفي هذا يقول أرسطو عن الألفاظ والحروف معاً: "ولذلك كانت دلالة هاتين بتواطؤ لا بالطبع" (ابن رشد¡ تلخيص العبارة¡ 12).
ولم يقف جهد الأستاذ عند هذا بل ذهب أبعد وأبعد في الحفاظ على هذه الدلالات التي تُلبسها الجماعة للألفاظ¡ فصاغ مرة أخرى في كتابه (في السياسة¡ 104) المفهوم الشهير¡ الذي ما زال الناس يتناقلونه عنه:" الإنسان من طبعه حيوان مدني"¡ ومفهوم المدنية المتشعب قائم أساساً على اللغة ودلالة مفرداتها بين الناس¡ فما المدنية سوى مجموعة من المفاهيم¡ طلى الناس بها المفردات اللغوية¡ فصارت دالة عليها بينهم¡ ومُعرّفة بها في خطاباتهم¡ ومن يخرج عن هذه الدلالات المتعارف عليها بين الناس فهو عنده أسمى من البشر¡ أو رجل سافل متوحش¡ لا يخضع لنيّر¡ وهذان الصنفان لا يحتاجان الناس¡ ومن ثمّ لم يباليا بالدلالات العرفية بينهم للألفاظ اللغوية¡ وبهذا يبين أن الأستاذ كان قد أرشد إلى ما يُمكنني تسميته (العقد الدلالي) بين الناس¡ وأنّ كل العقود عائدة إليه¡ وخارجة منه¡ وما الاجتماعية عند الإنسان سوى الوجه الآخر للعملة¡ التي وجهها الثاني حاجته واضطراره إلى غيره¡ ولولا هذه الحاجة لما استقرّت لغة¡ أو لَما كان هناك لغة أصلاً¡ ولهذا قال الأستاذ بعد ذلك عن الإنسان: "ومن الواضح أن الإنسان قابل للحياة الاجتماعية أكثر من النحل وغيره من الحيوانات الألفية".
وهذا الذي انتهى إليه المعلم الأول هو الذي نجده عند سقراط¡ مُعلّم معلمه¡ وهو اعتراف منهم أنّ مشكلة الإنسان نفسه في كلماته ودلالاته من ورائها¡ ويعرف ذلك مَنْ له اطلاع على محاورات سقراط التي حكاها عنه تلميذه أفلاطون¡ فالأستاذ في كل محاوراته يبتدئ بمعالجة الألفاظ ودلالاتها¡ ثم ينتهي بعد جدل طويل مع المحاور إلى أنّ ما كان يظنه معنى لها¡ لم يكن صواباً ولا قريباً منه¡ وسقراط ومحاوره يتناظران حول أيّهما أدق في تبيان المعنى الذي تُريده الجماعة الإنسانية من المفردة¡ أو كانت تقصد إليه وتنتجعه¡ وهكذا فمعظم خلافاتنا ترجع إلى أيّنا يمثل الجماعة ويُحسن العبارة عن مرادها في ألفاظهاº لأن الإنسان حيوان مدني¡ وأبرز وجوه مدنيته في دلالات ألفاظه.
هذه القاعدة تُجرى عليها ألفاظُ النص الشرعي¡ وتُفهم من خلالها¡ فلمفرداته مرجع مدني اجتماعي¡ ويستطيع المسلم متى أعطى هذا المرجع حقه من النظر والتأمل أن يقعَ على المعنى القريب والأقرب من دلالة النص¡ متى كان النص ذا وجوه محتملة¡ ومن أمثلة هذا النص¡ الذي أَبْعَدَ كثيراً من الناس عن المدنية والاجتماعية في فهمه ما رواه البخاري عن أبي هريرة قال:" بَيْنَمَا النبي صلى الله عليه وسلم في مَجْلِسٍ يحدث الْقَوْمَ جَاءَهُ أَعْرَابِيٌّ فقال: مَتَى السَّاعَةُ فَمَضَى رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يحدث فقال بَعْضُ الْقَوْمِ: سمع ما قال فَكَرِهَ ما قال¡ وقال بَعْضُهُمْ: بَلْ لم يَسْمَعْ. حتى إذا قَضَى حَدِيثَهُ قال: أَيْنَ أُرَاهُ السَّائِلُ عن السَّاعَةِ¿ قال هَا أنا يا رَسُولَ اللَّهِ. قال: فإذا ضُيِّعَتْ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ. قال: كَيْفَ إِضَاعَتُهَا¿ قال: إذا وُسِّدَ الْأَمْرُ إلى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ".
تذهب أذهان كثيرين إلى أنّ (الساعة) هنا هي القيامة العامة للبشر¡ وأنّ الأعرابي سأل عنها¡ وعُني بها¡ وأنّ الرسول عليه الصلاة والسلام أجابه عن سؤاله فيها¡ ونحن إذا نظرنا إلى هذا الحديث من خلال مدنية الإنسان واجتماعيتهº أدركنا أن الأعرابي لم تعنه أبداً قضية المجتمعات الأخرى¡ ولم يخطر بباله أن يسأل عنها¡ والرسول عليه السلام سيُجيبه وفق سؤاله¡ ويُفيده حسب قوله¡ ولن يهبَه جواباً أكبر من سؤالهº لأننا اتفقنا أن المصطفى أبلغ الناس وأدراهم بمقاصد الكلام¡ ومتى قلنا: إن الساعة هنا هي قيامة البشر¡ فقد نسبنا إليه ما لم يرد الأعرابيُّ السؤال عنه.
وليس يغيب عنا جميعاً أننا مسؤولون عن قيامة مجتمعنا وفساده¡ وما من الوارد أن نُعنى بغيره ونلتفت إليه¡ فلنفهمْ الحديث على وجهه¡ وأن الحبيب أراد أن يُخوّفنا من قيامة قبل القيامة¡ ونهاية قبل النهاية¡ فلْيحفظ كلّ منا مجتمعه¡ وليسعَ في توسيد الأمر إلى أهله.
http://www.alriyadh.com/1860850]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]