تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : التشاغل



المراسل الإخباري
03-07-2021, 03:49
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png قال الفيلسوف باسكال: "إنه التشاغل! نظرَ الإنسان إلى الموت، إلى البؤس، إلى الجهل، ولما أدرك أنه لن يقدر أن يمحوها من الحياة، قرر من أجل سعادته أن لا يفكر في مثل هذه الأشياء، وطالما قلت إن السبب الأوحد لشقاء الإنسان هو أنه لا يقدر أن يجلس هادئاً في غرفته، لذلك رأى الإنسان أنه لا حل إلا بالتشاغل عما يشغل باله وقلقه، إما بوظيفة تستهلك وقته وتفكيره، أو بشغف يشغله مثل الصيد والقمار والترفيه".
قالها باسكال ليس ثناء على التشاغل بل ذماً له! إنه ينتقد انخراط البشر في أي نشاط ينسيهم أن الحياة زائلة، وأنها قبل زوالها ممتلئة بالأسى والإحباط.
وعكسه المفكر "مونتينيا"، فلما توفي صديقه العزيز حزن حزناً شديداً، ولم ينجه إلا التشاغل، وكتب: "كاد الحزن يقتلني، واحتجت ملهياً يلهيني، فجعلْتُ نفسي تقع في الحب، وقد طمأنني الحب وجذبني بعيداً عن مرض النفس ذاك، وهذا ما لاحظته في كل مكان، فكلما أمسكتني فكرة مؤلمة وجدت أن الأسهل أن أنتقل إلى غيرها بدلاً من أن أكبتها، إن لم أستطع أن أقاتلها أفر منها".
في عصرنا هذا انفجرت التشتيتات والملهيات، جوالك أكبر وسيلة تضييع وقت عرفتها البشرية، فهو يجمع كل شيء ممكن في جسمٍ صغير، وفي الماضي كان أهلنا يحذروننا من كثرة تضييع الوقت في وسائل ترفيه مثل ألعاب الفيديو أو الإنترنت أو الأفلام أو المسلسلات، أشياء لا بأس بها باعتدال، لكن إذا أفرطنا فيها ضيعنا ما هو أهم منها من شؤون الدنيا والآخرة، فكيف بهذا الجهاز الذي يجمعها كلها ومثلها عشرة أضعاف؟
لكن هناك استثناء، وهو الذي جل وقته في أمورٍ مهمةٍ بنّاءة نافعة، أو من تكالبت عليه الهموم والمسؤوليات وخنقته، أو من كرّس وقته للآخرين وعونهم والتضحية لهم، فهؤلاء –مثل مونتينيا– لا لوم عليهم لو رفعوا رؤوسهم فوق الماء ليأخذوا نَفَس الحياة لئلا يغرقوا في بحرها ولجّته.
تشاغلوا كما تشاؤون، تستحقون ذلك!




http://www.alriyadh.com/1873501]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]