المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أهازيج عبدالله نور



المراسل الإخباري
03-26-2021, 20:58
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تعرفت على "عبدالله نور" في أوائل السبعينات الميلادية، في الوقت الذي احتدمت فيه معركة ثقافية أو نقدية حول الكتاب المثير للجدل (اللامنتمي)، للمفكر البريطاني "كولن ولسون"، وقد دخل في هذه المعركة عديد من الكتاب والأدباء منهم مشعل السديري وشاكر النابلسي وعبدالله نور.
يوم تعرفت على "عبدالله نور"، كان يسكن فيلا في شارع الخزان، ما لبث أن هجرها إلى حي "الجرادية" الشهير، الذي يقع غرب شارع عسير، حيث سكنت لسنوات طويلة، ولأنني كنت من مجاوري ذلك الحي؛ فقد كنت كثيرا ما أصادف "عبدالله نور" ماشيا وكأنه من هواة اختراق الضاحية؛ فقد كان المشي من هواياته حتى إنه مات وهو يمشي -رحمه الله-. وقد روى لي "سباعي عثمان" -رحمه الله- وهو عراب جيل من كتاب القصة والقصيدة؛ أن "عبدالله نور" زاره في مقر عمله بجريدة المدينة بطريق مكة، وأنهما خرجا من الجريدة في الهزيع الأخير من الليل مشيا، حتى المقهى الذي كان يرتاده الصحفيون من سهار الليالي وسط جدة؛ جوار حراج الخضار والمحكمة الشرعية.
يقول سباعي -وهنا بيت القصيد-: إنهما من لحظة خروجهما من الجريدة وحتى وصولهما المقهى، كان "عبدالله نور" يتلو "لامية العرب" للشنفرى، غيبا وبصوت جهوري وإلقاء سليم، وكأنه داخل قاعة محاضرات! وغير قدرته البارعة على الحفظ والإلقاء؛ كان مثقفا ومتحدثا من طراز رفيع. وقد رافقته في رحلة لحضور معرض الكتاب في دولة الكويت، وليس مثل الرحلات كشفا لمعادن الناس وعاداتهم وأهوائهم ونزقهم. وسوف أذكر من تلك الرفقة التي استمرت عدة أيام، موقفا عن عبدالله، المحب للحياة والناس؛ سكنا في فندق ضخم وراق، كانت غرفته في أول الممر وغرفتي في آخره؛ استيقظت مبكرا لعلمي أنه من أهل البكور، وقبل أن أصل إلى غرفته لنذهب إلى قاعة الإفطار ومنها إلى المعرض، صادفت في طريقي سيلا من الماء، كان يمتد بهدوء على بساط الممر، وقد تأكدت أثناء سيري، أن الماء صادر من غرفته، فأسرعت حتى وقفت على الباب، ليأتيني صوت الأهازيج النجدية عاليا صداحا من غرفته! وكان تلك اللحظة واقفا تحت الدش، فلم يفطن لامتلاء الحوض، وتسرب الماء خارج الغرفة! وقد جلسنا سنوات نستذكر ذلك الموقف المضحك المربك!
وقد عاش "عبدالله نور" ما عاش، دون أن يفكر جديا في طباعة كتاب أو جمع مال، فقد كانت حياته مثل حياة عديد من الأدباء ليلها كنهارها، يومهم هو عيدهم، وللغد رزقه في العمل والأكل والشرب والمصالح الأخرى، كان شفافا، ضحكته عالية ونقية ومبشرة، تشبه مدفع العيد. مئات الكتاب رحلوا وتركوا خلفهم سيلا من المؤلفات، لكنها مع الوقت أصبحت مثل غثاء السيل، ومثلهم كتاب وأدباء حقيقيون ماتوا دون أن يتركوا خلفهم كتابا مطبوعا؛ ومع ذلك ما زال ذكرهم باقيا معنا، رغم مرور سنوات على رحيلهم.
رحم الله "عبدالله نور" فقد كان فخورا بأبنائه، محبا ومساندا لشباب الكتاب والأدباء، ورحم الله ابنه المهندس عبدالرحمن، وزوجته أم عبدالرحمن التي انتقلت إلى رحمة الله قبل أيام.




http://www.alriyadh.com/1877110]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]