المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مشكلة الفلسفة في الخليج



المراسل الإخباري
04-04-2021, 21:03
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ هُواة الفلسفة في الخليج أضرّوا بها، وما نفعوها، فكتاباتهم فيها، وتآليفهم حولها؛ تدور في معظمها في شكلين: الأول: يتناولون فيه قضايا دقيقة عويصة، رسالتها إلى الجمهور أنّ الفلسفة يكتنفها الغموض ويُحيط بها الإيهام، والثاني: يتداولون فيه مسائل صادمت الدين، وخالفت توجهاته..
الوَحشةُ من الفلسفة (الحكمة) أصيلة في الخليج وأهله، وصوت النذير ما زال يُدوّي في جنباته، خوفا أن تأخذهم إلى ما لا يرضون، وتسوقهم إلى ما لا يحبون، وحسبنا جميعا أن نُصغي إلى مخاوف مَنْ كنّا ننتظر منهم الحثّ عليها، والتبشير بها، فهؤلاء برهان من خير البراهين على ما كان يجتال في أذهان الخليجيين عامة منها، وما بعد أعلام الثقافة وأقوالهم من دليل على ما كان يسكن ذهنَ الجمهور ويحتلّ أرجاءه، وتعلمون أنّ هؤلاء الأعلام ذوو تأثير طاغٍ، متى وجدنا عندهم رأيا، أولمسنا منهم توجها؛ فأقوالهم تُظهر ما تُجنّه عقول غيرهم، وألسنتهم تُفصح عمّا تُكنه قلوب المحيطين بهم، ومما يصدق على الأمة، ولا يبعُد في صفتها، أن يقال: إن الأمة مخبوءة تحت ألسنة أعلامها، وفي هذه الجملة صياغة جديدة لمقالة الإمام علي بن أبي الطالب الشهيرة عنه.
وهذه الوحشة التي تسكن العقل الخليجي في جملته؛ ترجع عندي إلى ثلاثة أمور، اثنان منها يرجعان إلى ما أسلفتُ في مطلع المقالة، وأول الثلاثة: ما رُوي عن جماعة المتأخرين من حُرمة النظر فيها، والاطلاع على ما في تراث أصحابها، وثانيها: ما رُوي عن جماعة من المعاصرين المؤثرين في الدفاع عن المتهم بها، والحمدلة لعدم الانشغال فيها، وثالثها: ما سلكه هُواة الفلسفة وبعض المتخصصين بها في الخليج حين كتبوا أحيانا المقالات وحينا الكتب، وهذا هو التقسيم عند الأصوليين، وبقي عليّ أن أسبر وجه أثر هذه الثلاثة في الوحشة من الفلسفة، وأُبدي ما جلبته عليها، وذاك هو السبر (الاختبار). نحن أمّة ارتبطت بماضيها، ككل الأمم، وكانت مرجعيتها في معظم ما هي عليه إلى العصور المتأخرة، وهي عصور مع ما فيها من خير؛ حملت إلينا كثيرا مما لم يكن في سلفنا الأولين، الذين نتفق جميعا على أنهم السادة والقدوات، ولم نبذل نحن جهدا عميقا في البحث حول الاختلاف بين هذه العصور وبين ما كان عليه السادة الأولون في القضايا التي ورثناها من تلك العصور، إذ نعتقد أنّ المتأخرين صورة صادقة عن الرعيل الأول!! ومن تلك القضايا الموقفُ من الفلسفة وترجمة كتبها، فقد رُوي عن جماعة من المتأخرين، منهم ابن الصلاح، تحريم النظر فيها، واشتهر قوله عنه وذاع؛ حتى أصبح من المتفق عليه عند أهل هذا العصر، وصار حجة، ليس بعدها، في التحريم والتحذير وتشويه الفلسفة، ومتى جاء هذا ومثله من حُماة الدين؛ فلا تعجبْ أن يكون من مقررات العقول ومبادئها، فكيف به إذا بقي مَن يُذكّر به من علماء الزمن وفقهائه، وهم إلى الأذهان أسبق ولها أَمْلك! ولم يقف الأمر بالفلسفة عند هذا بل وردت أقوال عن المعاصرين، مَكّنت للوحشة في النفوس، وملأتها بالخوف منها، ومنها قول شيخ الأزهر محمد عبده في الدفاع عن أستاذه الأفغاني حين اتُّهم بقراءة كتبها: "واتّخذوا سبيلا للطعن عليه من قراءته بعض الكتب الفلسفية أخذا بقول جماعة من المتأخرين في تحريم النظر فيها على أن القائلين بهذا القول لم يطلقوه بل قيّدوه بضعفاء العقول قصار النظر خشية على عقائدهم من الزيغ..." (تاريخ الأستاذ الإمام، محمد رشيد رضا)؛ يبدو كلام الشيخ مقبولا، غير مرتاب منه؛ لكننا إذا نظرنا إلى أنّه سيجعل الفلسفة نُخبيّة، ويُحرّمها على الجمهور، وجدنا أنه في دفاعه قد قوّى الوحشة، ووطّد أركانها في العقول، ولم تنتفع من قوله الفلسفة، فغاية مرامه أن يُدافع عن شيخه لا عنها. وشبيهٌ بهذا قول الشيخ الطنطاوي في (من حديث النفس): "سلُوا الفلاسفة، إن كان عندهم علم، فما أنا بحمد الله من أهل الفلسفة" وأنتم تعلمون وَقْع كلام هذا الشيخ على القُراء، والأثر الذي تحمله هذه العبارة، مع اقتضابها وإيجازها، وكافينا منه حمدلته، وما تُشعر به من بغضٍ لها ونَكارة على مُتعاطيها، وكم من الناس مرّوا على عبارته هذه ففزعوا من الفلسفة، وخافوا أهلها، وأيقنوا أنّ وراء قوله، مع اعترافه بجهله بها، ما رواه من هَوْلِها وشرورها، فكرهوها دون سبب، واستوحشوا منها دون علة، وما أوجعَ من وَصبٍ لا يُعرف مَبْعثه! وثالث أسباب الوحشة، وقد غَبَر منها اثنان، أنّ هُواة الفلسفة في الخليج أضرّوا بها، وما نفعوها، فكتاباتهم فيها، وتآليفهم حولها؛ تدور في معظمها في شكلين: الأول: يتناولون فيه قضايا دقيقة عويصة، رسالتها إلى الجمهور أنّ الفلسفة يكتنفها الغموض ويُحيط بها الإيهام، والثاني: يتداولون فيه مسائل صادمت الدين، وخالفت توجهاته، وهم وإن كانوا أحرارا في ما يكتبون ويقولون؛ فيجب عليهم أن يفطنوا إلى جريرتهم على الفلسفة التي لم تكن في يومٍ من الأيام قول هذا الفيلسوف وحده، ولا رأي ذاك على حِدتِه!




http://www.alriyadh.com/1878668]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]