المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : فروقٌ بين النصح والتوبيخ



المراسل الإخباري
04-08-2021, 17:43
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
للنصح أساليب غير مباشرةٍ يستحسن استعمالها، ومن أهمها تعميم الخطاب وعدم تسمية المعين، ولا فرق في ذلك بين الناصح عموماً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم على المنبر عبارة: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ) وبين توجيه الأسرة..
يتفاوت الناس في البصيرة بالمنافع والمضارِّ تفاوتاً شاسع البون؛ وذلك لأن أسباب الخبرة فيما ينفع وما يضر مما لا يمكن - عادة - أن يستوي فيه الخلق، فمنها الحصافة في العقل وعمق التفكير، ومنها العلم وفقاهة النفس، ومنها تجارب الحياة التي هي ثمرات التقدم في العمر ولو كان ذلك التقدم نسبيّاً، وما من شخصين يكبر أحدهما الآخر سنّاً إلا ويُمكنُ الأكبرَ أن يمدَّ الأصغر بإفادةٍ من تجاربه تجنبه المصاعب وقد قالوا: "من سبقك بيوم فقد سبقك بعقل"، وإذا كان هذا التفاوت كهذا فمن طبيعة الطيبين أن يبذلوا النصح لمن يرون أنه محتاج إليه لا سيما أن بذل النصح من القواعد المهمة في حياة المسلمين، ولكن النصح كغيره من وسائل الخير يعتريه الخلل فيلبس ثوب التوبيخ، سواء علم الفاعل أم لم يعلم، فكان من المناسب أن يجتهد الناصح في أن لا يمارس التوبيخ وهو يحسب أنه يمارس النصح، ويمكن أن يتفادى الإنسان تلك الإشكالية بتوفيق الله ثم بمراعاة الضوابط الآتية:
أولاً: الإخلاص في النصح، بحيث يكون منطلق الإنسان صحيحاً يتحرى أن يبعد أخاه عن الاتجاه الخاطئ، أو أن يرشده إلى النهج الصحيح، وبهذا يصفو نصحه فلا تنغصه شائبة الحظوظ النفسية؛ وذلك لأن العمل إذا انطلق فيه عامله من قصد الخير فيرجى له أن يعان عليه، وعلى أقل تقدير يكون أداؤه الذي هو مسؤوليته واقعاً كما ينبغي، فإما أن يحرز مطلوبه فتنتجز مهمته، وإما أن يكون له ثواب إحدى الحسنيين وهو أجر النية الصادقة (وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) وبالمقابل إذا كانت النية الفاسدة منطلقه فعمله هارٍ في هاوية الحبوط، وحاشا أن يكون مثمراً، والمفترض أن يكون ضرره أقرب من نفعه، والغالب أن هذا يبوء بإثم تنفير أخيه والإساءة إليه مضافاً إلى جرم تنفيره وتثبيطه عن الصواب.
ثانياً: مراعاة شروط وضوابط النصح، والإخلال بهذه الشروط ينزع من كلام تاركها مفهومَ النصح وخصائصه ومشروعيته ونبله، فلا يعقل بعد ذلك أن يُسمّى نصحاً، بل لا مناص من تسميته باسمه اللائق به وهو التوبيخ أو التعدي أو التشبع بما لم يعط، وهلم جراً، وكل هذه الألقاب تجتمع أو يوجد أغلبها في معالجة الأخطاء من طرف من لا يرفع رأساً لقواعد التوجيه والإرشاد، وأخطر أنواع الإخلال بقواعد النصح أن يتعالم الجاهل في مجالٍ ما فيقدم فيه النصائح، ويجتهد في عطاء ما لا يملكه، ومن يصنع هذا إما أنه مُحبٌّ جاهلٌ غفل عن أن محبته لفلان لا تخوله إمكانات تمييز الأصلح كما أن حرصه على صحته لا يمكنه من صلاحية التطبّب له، لكن لما كان التوجيه يتعلق بالنظريات هان عليه اقتحامه، ولم يدر أن واجبه أن يطلب من محبه تلقي النصائح ممن استفاضت خبرته في المجال الذي يريد أن يتوجه فيه إلى الأصلح، وإما أنه غاشٌّ حاقد ينوي الإضرار بغيره ولا ينوي مجابهة من يريد أذيته تفادياً لمتاعب الخصومة والمناكفة، ونكوصاً عن تحمل أعباء المواجهة، فيأتي من الجانب الأسهل عليه، ويتظاهر بمظهر المصلح، فينصحه في مجال لا معرفة له به؛ ليوقعه في المزالق.
ثالثاً: تجنب الأذى والاستطالة، فالنصح إنما هو تبصيرٌ بما خفي على المقصر أو تجاهله لهوى غلب عليه، وفي كلتا الحالتين لا داعي إلى إذاية المنصوح فإن كان جاهلاً فعلاج الجهل التعليم والتيسير لا التوبيخ والتعنيف، وإن كان مكابراً عنيداً ففي التعنيف عليه صبٌّ لزيت التوبيخ على نارٍ تكبُّرِه ولن ينتج عن ذلك إلا تفاقم ما به؛ ولهذا لما كلف الله رسوليه موسى وهارون عليهما السلام بدعوة أعتى الناس وأكثرهم تكبراً أرشدهما إلى معالجته بالتي هي أحسن مع التنبيه على طغيانه: فقال تعالى: (اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) ومخطئ من يظن أن النصح يحتاج إلى إظهار الخشونة للمنصوح، بل إن ذلك مخالفٌ لما عُلِمَ من سيرة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ولما وصف مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ إرشادَ النبي النبي صلى الله عليه وسلم له قَال: "فبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي".
رابعاً: للنصح أساليب غير مباشرةٍ يستحسن استعمالها، ومن أهمها تعميم الخطاب وعدم تسمية المعين، ولا فرق في ذلك بين الناصح عموماً كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يستخدم على المنبر عبارة: (مَا بَالُ أَقْوَامٍ) وبين توجيه الأسرة، فينبغي أن يتعود الأب والأم على التعميم عند النصح، وأن يتجنبوا فَعَلَ فلانٌ كذا أو قصّر في كذا.




http://www.alriyadh.com/1879378]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]