تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : أين قلبي؟



المراسل الإخباري
04-11-2021, 23:34
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ابحث عن قلبك في كل مكان وآوان، فإن لم تجده عند ذكر الله، وطاعته، يأنس بعبادته، ويوجل عند سماع آياته، فعجل واجعل لنفسك جائزة إذا عثرت عليه، وسارع بصقل الران عنه حتى ينجلي، ويعود للصفاء والنقاء، لا يحمل في بطيناته حسداً ولا غلّاً للذين آمنوا، محباً للخير يخشى الله ويرجوه، ويندم إذا زلت به القدم، ويفرح إذا وفق لطاعة..
خلا رجل بنفسه ثم ألقى عليها سؤالاً باغتها: أين قلبي؟ منذ زمن ليس بالقصير وأنا أبحث عنه، أعياني البحث، وبلغ مني الجهد، ومع هذا لم أجده؟!
قالت: هو ذا يخفق في صدرك! قال: نعم، لكن هذا الخافق ليس القلب الذي عهدته، ليس ذلك القلب الخاشع، ليس ذاك القلب المخلص، ليس ذلك القلب الوجل، يخشى الله، يرجو رحمته، ويخاف عذابه.
هذا القلب الخافق غرق في الدنيا، كأنه ميت، وجسده يتحرك! جادت عينه بدمعها وهي ترى مشهداً في فيلم أو مسلسل، وقحطت وهي تسمع آيات الله تتلى عليها، كأن في أذنيه وقراً!
سابق الناس لينال دنيا يوقن بزوالها، ويراها تفارق أناساً ويفارقونها، لكنه لم يكف الجري وراءها، وهو يرى أبواب الخير مشرعة فلم يلتفت إليها وما نافس أحداً فيها!
ومازال الحديث له، يقول: أين قلبي وأذناي تسمع القرآن، فلا يوجل، ولا يقشعر له جلد، ولا تتغير منه حال؟
أين قلبي، وهو يعلم يقيناً أن العمر محدود، ويرى أبواباً للخير تفتح، فلم يتحمس للدخول منها، ومازال متعلقاً بأوهام الفوز بمسابقة، أو هبة، أو صفقة، وهو يسمع ويعقل ويزعم أنه يوقن بصدق القائل صلى الله عليه وآله وسلم يحكي عن ربه عز وجل: "كل عمل ابن آدم له، الحسنة بعشرة أمثالها، إلى سبع مئة ضعف، إلا الصيام فإنه لي، وأنا أجزي به". لكنه لم يستحضر هذا المعنى، ولم يستعد له حق الاستعداد، هو ينوي الصيام نعم، لكنه سيقطع الوقت في كل ما يلهي ويصد عن ذكر الله، ويقتطع من أجر الصيام، إن لم يبطله بما ستراه العينان، وتسمعه الأذنان، ويطرب له الوجدان، وتسعى في سبيل تحصيله القدمان، وتشقى اليدان.
ثم هو متكل على رحمة الله، يحتج بأن الله غفور رحيم، ويتناسى أنه في ذات الوقت شديد العقاب، عزيز ذو انتقام، يغار على محارمه، وسيقف بين يديه يوم القيامة وهو لا يرى بين يديه إلا ما قدم.
يقول لها متابعًا: نعم حرصنا أن نلحق بركب العصر، ونأخذ من الدنيا ما أمرنا بأخذه، "ولا تنس نصيبك من الدنيا" لتتوسع معارفنا وننمي اقتصاداتنا ونبني أوطاننا، وهذا ما يريده منا ربنا حقًّا، لكننا تجاوزنا القصد وكنا كمن يخرج من "القطب المتجمد إلى فوهة بركان مونا لوا" فهو يرجو النجاة من الحالتين، وكأنه لا يوجد مكان يستجم فيه لحياة أجمل.
فلا شك أن هناك روضًا ورُبى بين جمود القطب وثورة البراكين، يستطيع أن يجد القلب فيها نفسه ساكنًا هادئًا خاشعًا، ومن رحمة الله بنا أنه لم يلزمنا سلوك التعبد والتنسك كل أوقاتنا بل جعل الأمر لنا "ساعة وساعة"، وإن الساعات المعدودة في الأيام المباركة لهي من أجل الساعات التي يستغلها العبد الفطن لإصلاح قلبه والتزود لآخرته.
فابحث عن قلبك في كل مكان وآوان، فإن لم تجده عند ذكر الله، وطاعته، يأنس بعبادته، ويوجل عند سماع آياته، فعجل واجعل لنفسك جائزة إذا عثرت عليه، وسارع بصقل الران عنه حتى ينجلي، ويعود للصفاء والنقاء، لا يحمل في بطيناته حسداً ولا غلّاً للذين آمنوا، محباً للخير يخشى الله ويرجوه، ويندم إذا زلت به القدم، ويفرح إذا وفق لطاعة، وتعرّض للنفحات المباركة التي يوشك أن تظلنا، حيث يعظم العمل المبارك كما يعظم الذنب فيه، وإن يعلم الله في قلوبنا خيراً يؤتنا خيراً مما نأمل ونسعى، وإن اتقينا الله ربط على قلوبنا، وثبتها، وأنزل السكينة فيها، وما هي إلا سويعات وتنقضي، ويذهب كل هذا العناء ويزول. ولم يفت الأوان، فمازال في الوقت متسع. هذا، والله من وراء القصد.
https://www.qatarat.com/media/thumb/d9/12/561_4ea39b5d1d.jpg




http://www.alriyadh.com/1879845]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]