المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : لماذا لم ينتقم؟



المراسل الإخباري
05-02-2021, 05:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لم يراجع يوسف عليه السلام نفسه، ولم يشاورها، ولم يقف معها في حوار للنظر والحكم بعد المداولة، لكنه أصدر عفوه في لحظة موقف من الذل لو استغله لكانت ضربة قاضية عند كثيرين، لكنه سرعان ما انتصر عليهم أعظم انتصار، {قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم}..
سألني أخي يوما ما عن سر بكاء الأئمة في سورة يوسف عليه السلام، مع أنهم يعرفون القصة ونهايتها السعيدة؟
وهو سؤال جيد، جوابه له جوانب لا يحيط بها مقال، لكن قصة يوسف عليه السلام كغيره من الرسل الذين قص الله علينا قصصهم في كتابه، من غاياتها تثبيت القلوب، ويلخصها سبحانه في آخر آية من السورة بقوله «لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب»، فالعبرة في القصة هي التي تبكي لا مجرد سردها، ومعرفة تفاصيلها.
وقصة يوسف مع كثرة المستنبطين منها العبر والفوائد، فإنهم لم يحيطوا بما فيها من عبر وفوائد، ولن يفعلوا.
وبعد هذه المقدمة فإني أتوكأ عكاز التبصر في قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، بما يناسب الوقت، ويثري المقام، فإن الكل يعلم أن الإخوة لم يراعوا حق الأخوة، ولا شرف النسب، ولا صلة الرحم، ولم يراقبوا الله في أخيهم، وكانوا هم سبب ما عانى في غيابات الجب، وذل الرق، وفتنة النساء، وزنزانة السجن، إلى أن رفع الله مقامه، وأعلى منزلته، وأوقف من ظلمه بين يديه، وفي إمكانه أن ينتقم، وأن يتشفى، وأن يشمت، ولا يلومه أحد، حتى من ظلمه لم يكن ليلومه لو فعل، لكن النفس الأبية، والروح المتعلقة بالسماء، ترتفع عن شهوة الانتقام، وتتعالى عن دناءة الشماتة، وتستخدم قدرتها في البطش لتكون في العفو، والمسامحة، ونسيان الأذى، ولا يقدر على هذا أي أحد، إنما هي قلوب اصطفاها الله لتكون نقية من حمل الحقد والتنجس بالبغضاء والكراهية، هي القلوب المخمومة، التي أخبر - صلى الله عليه وآله وسلم - أن أصحابها هم أصحاب الجنة.
وكثيرا ما ندر وتفنن عمالقة الشعر والأدب في التعبير عن عمق الجرح حين يكون من الأقربين:
وظلم ذوي القربي أشدّ مضاضةً
على القلب من وقع الحسام المهنّدِ
ومع هذا لم يراجع يوسف عليه السلام نفسه، ولم يشاورها، ولم يقف معها في حوار للنظر والحكم بعد المداولة، لكنه أصدر عفوه في لحظة موقف من الذل لو استغله لكانت ضربة قاضية عند كثيرين، لكنه سرعان ما انتصر عليهم أعظم انتصار «قال لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم».
قف عند هذه الكلمات المليئة بالتسامح والعطف والعلو النفسي العظيم فوق الشهوة، فوق التشفي، لتعلن ما سلك نبينا صلوات الله وسلامه عليه مسلكه يوم الفتح، وقال لمن أخرجه من بلده وحاربه وقتل أصحابه، وفعل ليصد عن دينه الحق الأفاعيل، فيكرر - صلى الله عليه وآله وسلم - الكلمات ذاتها لأهل مكة وهم تحت تصرفه، وبين يديه.
هذه الكلمات ينبغي أن تكرر في مسامع مجتمعنا الذي ينقش ليبحث عن أخطاء الآخرين، ويفرح بنشر فضائح المستترين، ويسعد بعثرات العاملين، ونحن لا نطالبه أن يعفو عمّن أساء إليه، أو يحسن لمن ظلمه، وهو يقرأ ويعلم قول الحق تبارك وتعالى: «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» وغير ذلك مما لا يخفى على المسلم الحق.
إننا بحاجة في هذا الشهر الكريم ونحن نوشك أن نودع أيامه المعدودات إلى تدارك قلوبنا، وتصفيتها من شوائب الشهوة في الانتقام، وعدم نشر قيم التسامح والتغافل والعفو، ونحن نرفع الأكف، نسأل الله أن يعفو عنا لأنه يحب العفو، فإذا كنا نعلم أن الله يحب العفو، فلم لا نعفو؟، وإذا كنا نعلم أن الله يحب التجاوز فلم لا نتجاوز؟، لماذا تقطع أرحامنا، ونتباغض، ونتعادى، ويلوك بعضنا عرض الآخر لمجرد خلاف، لا يرقى أن يكون خلافا، فكيف يكون قطيعة للرحم، وتشاجرا، وقضايا، وشحناء وعداوة وبغضاء.
إنه ينبغي لنا أن ندرك أن من جمال سورة يوسف وسر تأثيرها على القلوب هو في ذلك العفو «لا تثريب عليكم» فالذي يقرأ أولها يلحظ بقلبه العفو المنتظر فيشتد الحزن في القلب، وتنثر العين دمعها.
اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنا.. هذا والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1883428]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]