تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : سِيَر الأئمة الأولين



المراسل الإخباري
05-09-2021, 16:02
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
ما يُلام المرءُ مثلي أن يُقمّش من سير الأولين وأخبارهم ما يجعله أشدّ إيمانا بما هو عليه، وأعظم يقينا به، وتلك سنة الأولين والآخرين، يفرحون يوم يقعون على مَنْ يُشبههم، ويطمئنون حين يجدونه..
في سير الأئمة الأولين تنبيهُ الغافلين وتذكرة السائرين، وأعظم ما تُصاب به الأمة أن تغفل عن سيرهم، وتحتجب عن هديهم، وتستغني بما وصل إليها عنهم، وما شيء هو أكثر عائدا وأكبر فائدة من اطّلاع المرء على عصور السابقين من خلال هؤلاء القدوات، واتصاله بهم؛ إذ النادرون في كل عصر هم مقياس الحقبة ومعيار أهل الزمان، وهم الذين يريدهم ذوو التفكير وأصحاب الوعي وشُداة المعرفة، "وما أكثر الناس ولو حصرتَ بمؤمنين"، ولا يبحثُ المرء الذكيّ الفؤاد عن مخالفة الزمان ومعهودات أهله والوقوف على الصواب فيها إلا عند هؤلاء الأئمة وأولئك القدوات، ومَنْ يطلب في عامة الناس ما يُريده من خاصتهم فقد أبطلت سنة التأريخ، وأضاع الطريق، وهذه مصيبة من مصائب بني الإنسان؛ لأنهم يريدون النهج القويم، واللاحب المستقيم، من عموم الناس وجمهورهم، وإذا لم يجدوه عندهم تولوا يسخرون، وأدبروا يتهكمون، كأنّهم غفلوا أو تغافلوا أنّ العظماء الذين يُقتدى بهم، ويُؤخذ عنهم، وتُتَقفّى آثارهم؛ قلة قليلة في كل عصر ومصر، وأن السَّوادَ الأعظم من كلّ أمة ما كانوا إلا عبئا عليهم، وحِمْلا ثقيلا على كواهلهم.
قصص البشر تتكرر، وأحاديثهم تُعاد، ومواقفهم تتشابه، ويجد المتأخر منهم في الماضي، ما كانت وجهته ورؤية بيئته، ما ينصر ما عرفه، ويتنكر لغيره، ويفتح باب القول له، والمرء مُغرمٌ بما يُؤيّد اختياره، ويُقوّي موقفه، أحدٌ يستحضر من الماضي الوعيد، وآخر يستمدّ منه الوعد، وفرد يطلب فيه المسامحة والسعة، وغيره يسعى وراء الشدة والضيق، يحصل الجميع على ما يريدونه، ويُحبّون الوصول إليه، فلا المتسامح بعاجز أن يصل إلى ما يُثري توجهه، ويزيد من إيمانه به، ولا المتشدد بفاقدٍ فيه ما يُحرّضه على مذهبه ويُحمّسه له، فالجميع واجدٌ على مائدة الماضي ما اختاره وانقاد له! وما يُلام المرءُ مثلي أن يُقمّش من سير الأولين وأخبارهم ما يجعله أشدّ إيمانا بما هو عليه وأعظم يقينا به، وتلك سنة الأولين والآخرين، يفرحون يوم يقعون على مَنْ يُشبههم، ويطمئنون حين يجدونه، وأوجز المولدون، حسب نقل الميداني في (مجمع الأمثال)، هذه القصة حين قالوا في أمثالهم: الطيورُ على أُلّافها تقعُ (جمع أليف)، وأليفي في هذه المقالة الإمام سفيان الثوري، ومن ترجمته في (حلية الأولياء) أتيتكم بهذه الرسائل والأنوار التي سرّتني وقوّت روح الأمل عندي.
الرسائل التي أنقلها لكم من هذا الإمام، وأُبلغكم عنها؛ متشعّبة المسائل مختلفة الأفكار، ويمكن تقديمها في مظهرين: الأول: ما يعود إلى الرفق بالناس والرحمة لهم وحسن الظن بهم، والثاني: ما يرجع إلى تصحيح مواقفهم وتسديد مذاهبهم، وكلا الأمرين تدعو إليه الحياة اليوم، وتحث عليه.
من الأول حديثه عن الترخص والتشديد، وأنّ العلم في الأول، وليس في الثاني الذي يُحسنه كلّ أحد، ويستطيعه كل إنسان: "إنما العلم عندنا الرخصُ عن الثقة، فأمّا التشديد فكل إنسان يحسنه" وفي قوله هذا كشفٌ لما كان الناس عليه في زمنه، ونقدٌ خفيف للروح التي كانت مسيطرة على أهله، وهي الحالة التي يعيشها المسلمون الآن، وتُبنى كثير من الفتاوى عليها.
ومنه أيضا رسالته إلينا في التوسعة على المخالف، وعدم الإنكار عليه ما دام في الناس مَنْ قال بقوله وأخذ به، "إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي قد اختُلف فيه وأنت ترى غيره، فلا تنهه"، وهي رسالة تنفع العالم والمتعلم، اللذين وقفا على الخلاف واطّلعا عليه، فكان المتوقع منهما عند الشيخ أن يدعا النكير ويتركا النهي.
ومنه أيضا نصيحته لنا، ووعظه إيانا، أنْ نُحسن الظن بالمسلم، ونرجو له الخير، وإن كان على غير رأينا، وله مذهب غير مذهبنا، "نسمع التشديد فنخشى، ونسمع اللين فنرجوه لأهل القبلة، ولا نقضي على الموتى، ولا نُحاسب الأحياء، ونكل ما لا نعلم إلى عالمه، ونتهم رأينا لرأيهم"، هذه نصيحة ثمينة، وتوجيه بليغ، والمسلمون أحوج ما يكونون إليها في هذه الأزمان، وما احتاجه المتقدم احتاجه المتأخر، والناس في القديم والحديث حالهم واحدة مع مخالفهم ومختار غير مذهبهم، يُغلّبون سوء الظن به، ويُعاملونه عليه، وليس يعلم ما في القلوب إلا الله تعالى، والأعمال، ومنها الأفكار، بالنيات وليست بما يهجس بسبب التخوّف في قلوبنا عنها وعن أصحابها.
ومن المظهر الثاني أنّ الشيخ كان يُجالس عمرو بن عُبيد، وهذا أمر ما زال الناس يُحذّرون من مثله، فلم يستمع إلى نصيحة مَنْ نصحه، ولا إلى وعظ مَنْ وعظه، وحين ألحوا عليه قال: "إني أجدُ عنده أشياء لا أجدها عند غيره"، وهي حجة تصلح لنا اليوم حين نقرأ لمن نُحذر منهم، ويُعاب علينا الاطلاع على ما عندهم، وليس شيء أجدى على الإنسان وأُمّته من أن يعرف ما عند غيره، وينتفع منه.




http://www.alriyadh.com/1884723]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]