المراسل الإخباري
05-22-2021, 04:55
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png للإبداع أشكال، ولكل مبدع طريقته الخاصة. غير أن هذا اللون من الإبداع - القصائد- غريب عند أربابه وأصحابه وكتّابه، فهو تارةً صعبٌ وطويل سلمه، وتارة هو سهلٌ هينٌ ليّن؛ وهنا أذكر أنني ذات مرةٍ كتبت قصيدةً في سويعات، وما زالت تلك القصيدة من أجمل النصوص إلى نفسي، وأحبها إلى قلبي، وعلى نقيض ذلك أذكر أنني كتبتُ في إحدى المرات بيتاً شعرياً حاولتُ أن أردفه بأبياتٍ أخرى ليغدو في قصيدة متكاملة، غير أن شيئاً منعني وكبلني، حتى أنني عييت فلم أستطع إكماله، على الرغم من أن إحساساً يراودني بأن موضوعه جميل، وقد أدركتُ حينها أن الشعر قد يخرس في لحظات كتلك اللحظات؛ حتى إن الظفر ببيت شعري قد يصبح كالظفر بصيد ثمين.
هذا الأمر ذكرني بما كان يحدث للشعراء قديماً من صعوبة في إبداع قصائدهم، وتُروَى قصة طريفة وجدتها في (الرسالة العذراء) لإبراهيم بن محمد الشيباني (تـ 298هـ) حيث أورد هذا النص: «قال أبو العتاهية لابن مُناذر: بلغني أنك تقول الشعر في الدهر، والقصيدة في الشهر، فقال: نعم، لو رضيتُ لنفسي أن أؤلف مثل تأليفك وأقول: يا عتب يا درة الغواص، لقلت في اليوم والليلة ألف قصيدة»، وكأنه يريد أن يقول: إن الجودة والزمن وجهان لعملة الإبداع.
على أن هناك زمناً نفسيّاً وعاطفيّاً يمكن أن نسمه بالزمن الإبداعي (البيولوجي)، وهو المرتبط بحالة الشاعر النفسية التي تشجعه، أو لا تشجعه على الإبداع، ونرى ذلك - مثلاً - في قصة عمرو بن هند عندما قال لعبيد بن الأبرص وقد لقيه في يوم بؤسه: «أنشدني من شعرك، فقال له: حالَ الجريضُ دون القريض»؛ والجريض: الريقُ يُغصُّ به، أو يَصعُب ابتلاعه؛ ومعنى ذلك أنه لم يكن متهيّئاً؛ ولهذا قال ابن عبد ربه الأندلسي (تـ 328هـ) في كتابه (العقد الفريد) معلّقاً على هذه القصة: «وقد يمتنع الشعر على قائله، ولا يسلس حتى يبعثه خاطر، أو صوت حمامة».
إن الباعث النفسي والعاطفي الذي يتجلى في (المزاج الإبداعي) يشير إلى ارتباطٍ بالزمن البيولوجي؛ ذلك أن المزاج إذ لم يكن صافياً ومتوقداً لإبداع الشعر، سيصعب على الشاعر قوله، ومن ثم تطول عليه مدة الإبداع إلى أمد غير معلوم؛ ولهذا كان الشاعر الأموي الفرزدق (تـ 110هـ) يقول: «أنا أشعرُ الناس عند الناس، وقد يأتي عليّ الحين، وقلع ضرس عندي أهون من قول بيت شعر»؛ فرغم شاعريته يجد قول الشعر صعباً أحياناً، وليس دائماً؛ هذه الصعوبة مردها أمران: المزاج، والوقت.
ويربط بعضهم الإبداع الشعري بمسألة الزمن، وقد قال الراجز قديماً: «إنما الشعر بناءٌ / يبتنيه المبتنونا، فإذا ما نسّقوه / كان غَثَّاً أو سمينا، بما واتاك حينا / ثم يستصعب حينا»، بل إن بعضهم راح يعقد بين الإبداع والزمن الفيزيائي وذلك في قوله: «أسلس ما يكون الشعر في أول الليل قبل الكرى، وأول النهار قبل الغذاء، وعند مناجاة النفس، واجتماع الفكر»، وهو ما يجعل الإبداع - أدباً كان أو غيره – خاضعاً لمسألة الزمن أيا كانت تفاصيله وتفرعاته.
http://www.alriyadh.com/1886622]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
هذا الأمر ذكرني بما كان يحدث للشعراء قديماً من صعوبة في إبداع قصائدهم، وتُروَى قصة طريفة وجدتها في (الرسالة العذراء) لإبراهيم بن محمد الشيباني (تـ 298هـ) حيث أورد هذا النص: «قال أبو العتاهية لابن مُناذر: بلغني أنك تقول الشعر في الدهر، والقصيدة في الشهر، فقال: نعم، لو رضيتُ لنفسي أن أؤلف مثل تأليفك وأقول: يا عتب يا درة الغواص، لقلت في اليوم والليلة ألف قصيدة»، وكأنه يريد أن يقول: إن الجودة والزمن وجهان لعملة الإبداع.
على أن هناك زمناً نفسيّاً وعاطفيّاً يمكن أن نسمه بالزمن الإبداعي (البيولوجي)، وهو المرتبط بحالة الشاعر النفسية التي تشجعه، أو لا تشجعه على الإبداع، ونرى ذلك - مثلاً - في قصة عمرو بن هند عندما قال لعبيد بن الأبرص وقد لقيه في يوم بؤسه: «أنشدني من شعرك، فقال له: حالَ الجريضُ دون القريض»؛ والجريض: الريقُ يُغصُّ به، أو يَصعُب ابتلاعه؛ ومعنى ذلك أنه لم يكن متهيّئاً؛ ولهذا قال ابن عبد ربه الأندلسي (تـ 328هـ) في كتابه (العقد الفريد) معلّقاً على هذه القصة: «وقد يمتنع الشعر على قائله، ولا يسلس حتى يبعثه خاطر، أو صوت حمامة».
إن الباعث النفسي والعاطفي الذي يتجلى في (المزاج الإبداعي) يشير إلى ارتباطٍ بالزمن البيولوجي؛ ذلك أن المزاج إذ لم يكن صافياً ومتوقداً لإبداع الشعر، سيصعب على الشاعر قوله، ومن ثم تطول عليه مدة الإبداع إلى أمد غير معلوم؛ ولهذا كان الشاعر الأموي الفرزدق (تـ 110هـ) يقول: «أنا أشعرُ الناس عند الناس، وقد يأتي عليّ الحين، وقلع ضرس عندي أهون من قول بيت شعر»؛ فرغم شاعريته يجد قول الشعر صعباً أحياناً، وليس دائماً؛ هذه الصعوبة مردها أمران: المزاج، والوقت.
ويربط بعضهم الإبداع الشعري بمسألة الزمن، وقد قال الراجز قديماً: «إنما الشعر بناءٌ / يبتنيه المبتنونا، فإذا ما نسّقوه / كان غَثَّاً أو سمينا، بما واتاك حينا / ثم يستصعب حينا»، بل إن بعضهم راح يعقد بين الإبداع والزمن الفيزيائي وذلك في قوله: «أسلس ما يكون الشعر في أول الليل قبل الكرى، وأول النهار قبل الغذاء، وعند مناجاة النفس، واجتماع الفكر»، وهو ما يجعل الإبداع - أدباً كان أو غيره – خاضعاً لمسألة الزمن أيا كانت تفاصيله وتفرعاته.
http://www.alriyadh.com/1886622]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]