المراسل الإخباري
05-27-2021, 04:19
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
النظر في المصالح المرسلة وما يُعتبرُ منها وما لا يُعتبرُ والمقدار الملائم من ذلك منوطٌ بوليِّ الأمر أو من يُنيبه؛ لأن شرط الاستصلاح الانضباط، ولولا الانضباط المعتبر فيها لكان لكل إنسان أن يقول: من المصلحة كذا وكذا ويرتكب ذلك، وهذا فتحٌ لبابِ التشهِّي والفوضى
صدر قرار وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بتوجيه الأئمة والخطباء والمؤذنين بقصر استعمال مكبرات الصوت الخارجية على رفع الأذان والإقامة فقط، ولي مع هذا القرار وقفات:
أولا: أن مكبرات الصوت من الأمور المستحدثة، والأمور المستحدثة إنما يُحتاجُ إلى الاستدلال على قبولها، ولا يُحتاجُ إلى الاستدلال على تركها؛ إذ الأصل عدم إحداثها، وإذا قام الدليل على قبولها لأنها وسائل لاستجلابِ مصلحةٍ معتبرةٍ شرعاً، فستظلُّ قابلةً لإعادة النظر فيما يُؤخذُ منها وما يُترك، وتُقدَّرُ المصلحة فيها بقدرها، وما زاد على القدر المستصلح به فالأصل تركه، فإن لزمت منها مفسدةٌ أُلغيت، وهذا ينطبق على استخدام مكبرات الصوت في المساجد فهي أمرٌ مُحدثٌ؛ لمصلحة الإعلام بالأذان والإقامة، ويُستدلُّ على استعمالها مع أن الأصل عدم الإحداث بأنه يقوم مقام أذان المؤذن الصيِّت؛ لأن ضجيج المدن يُقلِّصُ مدى الصوت العاديّ، ويبقى النظر في مقدار المصلحة المتوخاة من هذا الأمر الـمُحدث، وهي واضحةٌ في الأذان والإقامة، وإسماع المأمومين داخل المسجد خصوصاً الجوامع الكبيرة، أما استخدام مكبرات الصوت الخارجية أثناء الصلاة فلا تخلو من مفاسد لعلها أرجح مما يُظنُّ فيه من مصلحة، وذلك أن الصلاة عبادة مقصورة على من هم داخل المسجد، وهم المحتاجون إلى سماع الإمام للمتابعة والائتمام، ولا يشاركهم غيرهم في ذلك ممن هو خارج المسجد، فكانت المصلحة منحصرة في تسميع المعنيين بسماع الإمام، واستعمال المكبرات الخارجية اجتمع فيه أمران: أحدهما: أنه فائضٌ عن مقتضى المصلحة، والآخر أنه يتضمن مفاسد منها: أن بعض المساجد يعلو الصوت الخارجي فيها إلى أن يقتحم مسجداً آخر، فيربك المصلين فيه، ورفع المصلي صوته فوق الحاجة بما يربك مصلياً آخر منهي عنه كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ»، أخرجه أبو داود، ومنها: أن فيه تشويشاً وإحراجاً لجيران المساجد والقريبين منه من أهل الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة، من النساء والمرضى، ولا معنى لقول من يقول: كيف تُشوِّشُ عليهم قراءة القرآن الكريم؟ لأن لهم الحق في عمارةِ ذلك الوقت بالصلاة أو القراءة أو الذكر أو غير ذلك.
ثانياً: يُستشفُّ من امتعاض بعض الناس من قصر استخدام مكبرات الصوت في الصلوات على داخل المسجد أنه يكاد يُنزلُ استخدام مكبرات الصوت منزلة بعض الأمور المشروعة للصلاة، وهذا تنطَّعٌ وتكلُّفٌ؛ فإن العصور المفضلة لا تعرف هذه المكبرات، وهل يحلم الإنسان بصلاةٍ تُوازي صلواتهم في الكمال والإتقان؟! وإذا ثبت أن مكبرات الصوت لا علاقة لها بأحكام الصلاة، بحيث لا تُعدُّ من شروطها أو أركانها أو واجباتها أو مستحباتها أو آدابها، فإن الامتعاض -والحالةَ هذه- لا يعدو أن يكون عاطفةً ينبغي أن يُعالجُ المتعلمُ العاميَّ من آثارها، لا أن يؤججها عنده، وإذا كان بعض الفقهاء يكره للعالم أن يُظهر بعض المندوبات للعوام خشية أن يعتقدوا وجوبها فمن باب أولى أن لا يسوغُ للمتعلم أن يُظهر انتقاد ترك المباح أمام العوام ففي ذلك فتنة لهم، ومن نازع في ترك مُباحٍ مُحدثٍ يُفضي إلى مفسدة كما يُنازعُ في تركِ واجبٍ منصوصٍ عليه فقد أتى بما لا ينقضي منه العجب، ورام أن يُسوِّي بين شيئين يجب التفريق بينهما.
ثالثاً: النظر في المصالح المرسلة وما يُعتبرُ منها وما لا يُعتبرُ والمقدار الملائم من ذلك منوطٌ بوليِّ الأمر أو من يُنيبه؛ لأن شرط الاستصلاح الانضباط، ولولا الانضباط المعتبر فيها لكان لكل إنسان أن يقول: من المصلحة كذا وكذا ويرتكب ذلك، وهذا فتحٌ لبابِ التشهِّي والفوضى، وقد نصَّ العلماء على أنه ليس من الاستصلاح في شيء، وتحصيل الانضباط من وظيفةِ وليِّ الأمر أو من يُنيبه، ولهذا لما تكلم العلماء على المصالح المرسلة استدلوا عليها بما استحدثه الحكام للمصلحة، وبناء على ذلك فالنظر في موضوع مكبرات الصوت حقٌّ خاصُّ بوليِّ الأمر أو من يُنيبه، وما حكم به من ذلك فهو الصواب ولا تسوغ مخالفته ولا التشكيك فيه، ومن الغبن الكبير أن يرتكب المسلم محظوراً شرعياً وهو الاعتراض على تنظيم الحاكم، سعياً للإبقاء على أمر قصاراه أنه مُباحٌ، أو أن فيه مصلحة معارضة بمفسدة، وقد نصَّ العلماء على وجوب قبول حكم الحاكم، وأنه يَسُدُّ الباب أمام اجتهاد الرعية بالكُليَّة، قال الجصاص أحد أصوليي وفقهاء الحنفية: "قبول حكم الحاكم واجبٌ على رعيته، ولا يصحُ لأحدٍ منهم الاجتهاد في مخالفة رأيه".
http://www.alriyadh.com/1887556]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
النظر في المصالح المرسلة وما يُعتبرُ منها وما لا يُعتبرُ والمقدار الملائم من ذلك منوطٌ بوليِّ الأمر أو من يُنيبه؛ لأن شرط الاستصلاح الانضباط، ولولا الانضباط المعتبر فيها لكان لكل إنسان أن يقول: من المصلحة كذا وكذا ويرتكب ذلك، وهذا فتحٌ لبابِ التشهِّي والفوضى
صدر قرار وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد بتوجيه الأئمة والخطباء والمؤذنين بقصر استعمال مكبرات الصوت الخارجية على رفع الأذان والإقامة فقط، ولي مع هذا القرار وقفات:
أولا: أن مكبرات الصوت من الأمور المستحدثة، والأمور المستحدثة إنما يُحتاجُ إلى الاستدلال على قبولها، ولا يُحتاجُ إلى الاستدلال على تركها؛ إذ الأصل عدم إحداثها، وإذا قام الدليل على قبولها لأنها وسائل لاستجلابِ مصلحةٍ معتبرةٍ شرعاً، فستظلُّ قابلةً لإعادة النظر فيما يُؤخذُ منها وما يُترك، وتُقدَّرُ المصلحة فيها بقدرها، وما زاد على القدر المستصلح به فالأصل تركه، فإن لزمت منها مفسدةٌ أُلغيت، وهذا ينطبق على استخدام مكبرات الصوت في المساجد فهي أمرٌ مُحدثٌ؛ لمصلحة الإعلام بالأذان والإقامة، ويُستدلُّ على استعمالها مع أن الأصل عدم الإحداث بأنه يقوم مقام أذان المؤذن الصيِّت؛ لأن ضجيج المدن يُقلِّصُ مدى الصوت العاديّ، ويبقى النظر في مقدار المصلحة المتوخاة من هذا الأمر الـمُحدث، وهي واضحةٌ في الأذان والإقامة، وإسماع المأمومين داخل المسجد خصوصاً الجوامع الكبيرة، أما استخدام مكبرات الصوت الخارجية أثناء الصلاة فلا تخلو من مفاسد لعلها أرجح مما يُظنُّ فيه من مصلحة، وذلك أن الصلاة عبادة مقصورة على من هم داخل المسجد، وهم المحتاجون إلى سماع الإمام للمتابعة والائتمام، ولا يشاركهم غيرهم في ذلك ممن هو خارج المسجد، فكانت المصلحة منحصرة في تسميع المعنيين بسماع الإمام، واستعمال المكبرات الخارجية اجتمع فيه أمران: أحدهما: أنه فائضٌ عن مقتضى المصلحة، والآخر أنه يتضمن مفاسد منها: أن بعض المساجد يعلو الصوت الخارجي فيها إلى أن يقتحم مسجداً آخر، فيربك المصلين فيه، ورفع المصلي صوته فوق الحاجة بما يربك مصلياً آخر منهي عنه كما في حديث أَبِي سَعِيدٍ رضي الله تعالى عنه، قَالَ: اعْتَكَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْمَسْجِدِ، فَسَمِعَهُمْ يَجْهَرُونَ بِالْقِرَاءَةِ، فَكَشَفَ السِّتْرَ، وَقَالَ: «أَلَا إِنَّ كُلَّكُمْ مُنَاجٍ رَبَّهُ، فَلَا يُؤْذِيَنَّ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَلَا يَرْفَعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الْقِرَاءَةِ»، أَوْ قَالَ: «فِي الصَّلَاةِ»، أخرجه أبو داود، ومنها: أن فيه تشويشاً وإحراجاً لجيران المساجد والقريبين منه من أهل الأعذار المبيحة للتخلف عن الجماعة، من النساء والمرضى، ولا معنى لقول من يقول: كيف تُشوِّشُ عليهم قراءة القرآن الكريم؟ لأن لهم الحق في عمارةِ ذلك الوقت بالصلاة أو القراءة أو الذكر أو غير ذلك.
ثانياً: يُستشفُّ من امتعاض بعض الناس من قصر استخدام مكبرات الصوت في الصلوات على داخل المسجد أنه يكاد يُنزلُ استخدام مكبرات الصوت منزلة بعض الأمور المشروعة للصلاة، وهذا تنطَّعٌ وتكلُّفٌ؛ فإن العصور المفضلة لا تعرف هذه المكبرات، وهل يحلم الإنسان بصلاةٍ تُوازي صلواتهم في الكمال والإتقان؟! وإذا ثبت أن مكبرات الصوت لا علاقة لها بأحكام الصلاة، بحيث لا تُعدُّ من شروطها أو أركانها أو واجباتها أو مستحباتها أو آدابها، فإن الامتعاض -والحالةَ هذه- لا يعدو أن يكون عاطفةً ينبغي أن يُعالجُ المتعلمُ العاميَّ من آثارها، لا أن يؤججها عنده، وإذا كان بعض الفقهاء يكره للعالم أن يُظهر بعض المندوبات للعوام خشية أن يعتقدوا وجوبها فمن باب أولى أن لا يسوغُ للمتعلم أن يُظهر انتقاد ترك المباح أمام العوام ففي ذلك فتنة لهم، ومن نازع في ترك مُباحٍ مُحدثٍ يُفضي إلى مفسدة كما يُنازعُ في تركِ واجبٍ منصوصٍ عليه فقد أتى بما لا ينقضي منه العجب، ورام أن يُسوِّي بين شيئين يجب التفريق بينهما.
ثالثاً: النظر في المصالح المرسلة وما يُعتبرُ منها وما لا يُعتبرُ والمقدار الملائم من ذلك منوطٌ بوليِّ الأمر أو من يُنيبه؛ لأن شرط الاستصلاح الانضباط، ولولا الانضباط المعتبر فيها لكان لكل إنسان أن يقول: من المصلحة كذا وكذا ويرتكب ذلك، وهذا فتحٌ لبابِ التشهِّي والفوضى، وقد نصَّ العلماء على أنه ليس من الاستصلاح في شيء، وتحصيل الانضباط من وظيفةِ وليِّ الأمر أو من يُنيبه، ولهذا لما تكلم العلماء على المصالح المرسلة استدلوا عليها بما استحدثه الحكام للمصلحة، وبناء على ذلك فالنظر في موضوع مكبرات الصوت حقٌّ خاصُّ بوليِّ الأمر أو من يُنيبه، وما حكم به من ذلك فهو الصواب ولا تسوغ مخالفته ولا التشكيك فيه، ومن الغبن الكبير أن يرتكب المسلم محظوراً شرعياً وهو الاعتراض على تنظيم الحاكم، سعياً للإبقاء على أمر قصاراه أنه مُباحٌ، أو أن فيه مصلحة معارضة بمفسدة، وقد نصَّ العلماء على وجوب قبول حكم الحاكم، وأنه يَسُدُّ الباب أمام اجتهاد الرعية بالكُليَّة، قال الجصاص أحد أصوليي وفقهاء الحنفية: "قبول حكم الحاكم واجبٌ على رعيته، ولا يصحُ لأحدٍ منهم الاجتهاد في مخالفة رأيه".
http://www.alriyadh.com/1887556]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]