المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : (نِشدانُ الصواب)



المراسل الإخباري
06-03-2021, 15:57
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
الإخلاص في الطلب، فطلب الحق كغيره من المهمات التي لا ينالها حقَّ نيلها إلا المخلص في طلبها، وما كان الحق لينساق للمتلاعب الذي يُظهرُ للناس أنه يلتمس الصواب، وهو في قرارة نفسه زاهدٌ في الحق، لا يهمه إلا ما وافق هواه، وأفضى إلى مآربه الخاصة..
يفترض أن يبدأ الإنسان فور تمييزه رحلة البحث عن الصواب الذي به يأخذ في أمور دينه ومعاشه، وأيُّ تفريطٍ حصل منه أو من مربيه في ذلك فسيلمس أثره السلبي عليه يوماً ما لا محالة، ومن شرف الصواب وأهميته أن الناس إما باحث عنه حريص عليه سائر على دربه، يصيبه إن قُدِّرَ له، وإن أخطأه وعلم بذلك اعترف بأنه رامه ولم يُصِبِ المحزَّ، وإما مُدَّعٍ له متظاهر بأنه حليفه سواء كان ذلك بقناعته الخاطئة أو بتظاهره به وتشبُّعه بما لم يعط منه، فما من مميز يتجاسر بأن يعترف بأنه ليس مصيباً ولا يلتمس الصواب، فالعقلاء مُجمعون على وجود الحق والباطل، وإنما اختلفوا في تشخيص كل منهما، وفي الوسائل المفضية إلى كل منهما، وفيما يلي نقاط مهمة لناشد الصواب:
أولاً: الإخلاص في الطلب، فطلب الحق كغيره من المهمات التي لا ينالها حقَّ نيلها إلا المخلص في طلبها، وما كان الحق لينساق للمتلاعب الذي يُظهرُ للناس أنه يلتمس الصواب، وهو في قرارة نفسه زاهدٌ في الحق، لا يهمه إلا ما وافق هواه، وأفضى إلى مآربه الخاصة، ويُظهرُ أثر الإخلاص في طلب الحق في تعاطي الناس مع رسائل الأنبياء عليهم السلام، فنرى أن المخلص في الاستضاءة الحريص على الهداية يُوفقُ إلى القناعة بما يسمعُ منهم، فهو يُصغي بكل عناية، ويُدركُ ببصيرته حسن ما استمع إليه فيهتدي بذلك، (الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب) أما من يتظاهر بأنه باحث عن الحق، ويتلاعب بنتائج استماعه إلى الحق أو نظره فيه فلا يجني من نظره إلا البوار؛ لأنه غاشٌّ لنفسه ولمن يقتدي به، وقد نعى الله على بعض المستهزئين مثل هذا النظر فقال: (إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر).
ثانياً: اتخاذ الوسائل الصالحة، فلكل مرغوب وسائل يُتوصَّلُ بها إليه، ومن أهمل الوسائل فاتته المقاصد، ولا شك أن أغلب المخطئين إنما أعوزهم الصواب بسبب إهمالهم لوسائله، ولا فرق في ذلك بين المخطئ في أمور الدين والمخطئ في أمور المعاش، فكلاهما يُؤتى من إعراضه عن الأسباب المؤدية للمصلحة وانشغاله بغيرها، أما أمور الدين فمن تسوَّر على الكلام فيها من غير معرفةٍ بالكتاب والسنة على ضوء فهم الأئمة، ومن غير آلات الفهم المعتبرة عند العلماء، فقد بالغ في إهمال الأسباب الصحيحة، وولج البيت من غير بابه، ومن تصرف هكذا فهو خابِطُ ليلٍ، والأصل فيما يأتي به أنه خطأ، وإن حصلت منه الإصابة في بعض الأحيان فهو غير محمود عليها؛ لأن الكلام في الشريعة بغير علم تقوُّلٌ على الله تعالى، والـمُقدمُ على ذلك جانٍ على نفسه، وإنما يُثاب المجتهد الذي بذل الأسباب فهو إن أصاب كان له أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، وإن أخطأ أُجِرَ على اجتهاده، وإن تعجب فاعجب من جراءة بعض أنصاف المتعلمين الذين لا يمكن أن يتفوه أحدهم بكلمة: (لا أدري) التي يُكثرُ الأئمة من ترديدها إذا سُئلوا عما يُشكِلُ عليهم، وأما أمور المعاش فلإهمال الأسباب فيها عواقبُ وخيمة لا تُخطئُ العين أثرها المدمر.
ثالثاً: الرجوع إلى أهل الشأن والاختصاص، فلكل مجالٍ رجالُهُ الذين أفنوا أوقاتهم في تحصيل معارفه، وصار لهم من الحنكة والتجربة فيه ما يجعل محاولة القفز فوقهم وتجاهل الاستفادة منهم هدراً للجهد، وقد أمر الله تعالى بالرجوع إلى أهل المعرفة فقال تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، ومن أخطر الآفات تنطع الجاهل ومحاولته فرض موقفه على الراسخين في العلم، وكم عانت الأمة من هذه الظاهرة ويلات ومآسيَ، فأولُ فَتْقٍ في المجتمع المسلم فتنة الثائرين على الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وهؤلاء الثائرون ليسوا من أهل العلم، وقد تجاهلوا شيوخ الصحابة وفقهاءهم فلم يلتفتوا إلى رأيهم، ثم نبتت نابتة الخوارج الذين كفروا الصحابة وقاتلوا علياً رضي الله عنهم، وهم حفنةٌ من سفهاء الأحلام حدثاء الأسنان، وبين ظهرانيهم بقية الراسخين في العلم من الصحابة، لكن لم يستنيروا بنور فقههم، ولم يعرفوا لهم حقهم، ولو استعرضنا تاريخ الفرق الضالة والجماعات المارقة لوجدنا أن مؤسس كل فرقة أو جماعة منها شخصٌ أجنبيٌّ عن الفقه والعلم، كان الواجب عليه التقيد بما يراه علماء وقته، لكنه تجرأ على مخالفتهم ولم يأبه بهم فانزلق في هوَّة الضلال.




http://www.alriyadh.com/1888819]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]