المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخِطَابُ (التّقدِيمِيُّ) في مؤلفاتِ العَصرِ الحَدِيثِ



المراسل الإخباري
06-05-2021, 15:52
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تعدُّ مقدمات الكتب مظهراً من مظاهر النص الموازي، وهي شكل من أشكال النصوص المحيطة التي يحتفي بها المؤلف عند تأليفه؛ ولهذا فالمقدمة عتبة تتجلّى فيها رؤية الكاتب، وأفكاره، وطرائقه، وقد عُرفت في المصنفات القديمة بفاتحة الكتاب، أو خطبة المصنِّف، وكانت تُعَنْوَنُ لدى القدماء بالبسملة، أو بعبارات من قبيل: «ربِّ أنعمتَ فَزِد»، و»ربِّ أَعِن ويَسّر»، و»ربِّ يَسِّر بخيرٍ يا كريم»، كما كانت تُؤَطَّرُ أحياناً بالبسملة، ثم تُلحَقُ بعباراتٍ أخرى مثل: «وبه نستعين»، و»به توفيقي»، ونحو ذلك.
على أن الذي نحن بصدده هنا ليس خطاب المقدمة الذاتية، أو الشخصية، بل خطاب المقدمة الغيرية، ونعني به ما يقوم به الآخرون من التقديم لكتب أصحابهم، أو أصدقائهم، أو طلابهم، أو نحوهم، ونقدها، أو تقويمها، أو إطرائها، أو شرح غامضها، أو تفسير مبهمها، أو تجميلها، أو لفت الانتباه إليها، والترويج لها، وقد أطلق بعض النقاد على هذا اللون من التقديمات (خطابات مقدماتية غيرية)، والحق أن هذا النوع من التقديم لم يحفل باهتمامٍ نقدي واسع، كغيره من النصوص الموازية، على الرغم من توافر نماذجه، وتنوع أشكاله، وموضوعاته.
غير أن من يطالع أكثر الخطابات التقديمية (الغيرية) في مؤلفات العصر الحديث يجد مقامها التخاطبي -عادةً- لا يصدر إلا من الأعلى إلى الأدنى، أو من الأكبر إلى الأصغر، أو من الفاضل إلى المفضول، كأن يكون التقديمُ من حاكمٍ إلى محكوم، أو من والدٍ إلى ولد، أو من شيخٍ إلى تلميذ، أو من مشهورٍ إلى مغمور، ونماذج هذا التقديم كثيرة جداً؛ ذلك أن غاية الخطاب التقديمي ليست في الكشف عن أسرار الكتاب، أو التأطير له، أو وضع ديباجة معينة فحسب، بل في إعطائه صبغة مهمة تجعل المتلقي أكثر إقبالاً عليه، وأشد ميلاً إليه.
ومن طريف الخطابات التقديمية (الغيرية) أن تنقلب المعادلة في مقامها التداولي، فيتحول التقديمُ من الفرع إلى الأصل، كأن يقدّم الطالبُ لأستاذه مثلاً، وقد رأيتُ هذا مؤخراً في بعض الكتب التي كنتُ أطالعها في مكتبتي، كما في كتاب (إطلالة على المجتمع) للعم عبدالله بن تركي البكر، حيث قدّم له د. رشيد بن فهد العمرو قائلاً: «وما كنتُ أتصوّر أن أجرؤ على تقديم أستاذي للقراء، وهو من هو عِلماً، وفضلاً، وقدراً...».
وقد نجد في خطابات هذا اللون شيئاً من الصعوبة، والشعور بالمسؤولية والحرج، وقد رصدنا ذلك الموقف -مثلاً- في كتاب (من شجون اللغة) الذي ألّفه د. أبو أوس إبراهيم الشمسان، وقدّم له تلميذه د. معاذ بن سليمان الدخيل، ومما جاء في تقديمه: «لا أظن أن أحداً مثلي يرغب في الوقوف هذا الموقف؛ إنه من المواقف التي تبعث في نفس صاحبها الحيرة والتردد».
إن كثيراً من الخطابات التقديمية: الذاتية، والغيرية، ما زالت بحاجةٍ إلى دراستها، واستنطاق جمالياتها، ليس من وجهٍ واحد، بل من وجوه عديدة، لعل أوضحها وأهمها: (المقامية والأبعاد التداولية)؛ فنحن إذاً أمام نوعين من الخطابات الموازية، ما زال كل منها يشكّل أثراً مهماً لا يمكن إغفاله، أو إهماله، أو النظر إليه بمعزلٍ عن السياقات الأخرى.




http://www.alriyadh.com/1889135]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]