المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اللغة فضيلة لا وسيلة (3 - 3)



المراسل الإخباري
06-17-2021, 23:25
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png أَختُم هذه الثلاثية - عن التعامل مع اللغة العربية حبًّا واحترامًا - ببعض ما يقترفه مستخدموها شفويًّا أَو كتابيًّا، مستهينين بها حروفًا وكلماتٍ وتعابيرَ ومصطلحات، فيؤْذون استعمالَها وإِن تكُن، في جوهرها وعظَمتها، عاصيةً على كل أَذى.
من تلك الانتهاكات: كتابتُها بغير حروفها، كما أُلاحظ حديثًا في استخدام الرسائل النصية السريعة، قصيرتِها والمتوسطة، خصوصًا على المنصات الإِلكترونية الرائجة، وبها يُطيح المستخدمون كلَّ أَثر للحروف ودلائلها، فيحلُّ الحرف اللاتيني باستعارة أَشكاله والأَرقام العربية مكان الحرف العربي في خليط عجيب لا أَظن في العالم مَن يستهين بحروف لغته إِلى هذا الحد الهجين.
من هذه الظاهرة تَنشأُ ُأُخرى أَكثرُ تشويهًا: استخدام اللهجة المحكية التي هي الأُخرى تُطيح قواعدَ اللغة إِذ تدهس أُصولها، وتاليًا تَنشر في الأَوساط لهجاتٍ محليةً محدودةً قاصرةً استعمالَها على بيئة دون سواها. ويزيد من هذا الخطَلِ انعدامُ القواعدِ الضابطةِ اللغةَ المحكيةَ حروفًا وكلمات، ما يَخلق اضطرابًا فوضويًّا في الصلة بين كاتبها وقارئها، فيما العربيةُ الفصحى مُقَونَنَة بأُبَّهة القواعدِ الضابطةِ كلَّ كلمةٍ فيها وكلَّ عبارة وتاليًا كلَّ تعبير.
ويضرب جمالَ اللغة مفهومٌ رائجٌ أَنِ «اكْتُب كما تلْفِظ»، ما يُطيحُ معظمَ حروفها من ذال وثاء وقاف إِلى زاي وسين وهمزة في جميع المواضع، وفي ذلك أَذًى وتَلَوُّثٌ للعين والأُذْن معًا، وخلخلةٌ عمودَ اللغةِ مكتوبةً هجينةً بأَحرف المحكية.
أَيضًا وأَيضًا: لا أَعرف لغةً أَجنبيةً عانت من هذه «الجراثيم» في استعمالها ولا أَظُنُّ أَجنبيًّا يرضى استهانةً بِلُغَتِه فلماذا نرضى نحن؟
أَنا واعٍ طبعًا أَنَّ في العربية اثنتَين: لهجةَ مخاطبة ولُغةَ مكاتبة. وواعٍ أَيضًا أَنَّ في كل لغةٍ أَجنبيةٍ تَينَك الظاهرتَين، لكن محكيَّها لا يخون مكتوبَها قواعدَ وحروفًا ومصطلحات، من هنا التقارُب بين الظاهرتين فلا يكون الفرق واسعًا بين الخطابة والكتابة، بل الأُولى مشتقَّةُ الضوابط من الأَخيرة.
ومتى في العربية انتهجْنا المكتوبةَ قاعدةً كي نعبُر إِلى المحكية حروفًا ومنطقًا ذا دلائل، تَضْؤُل المسافة بينهما وتصبح المحكيةُ المكتوبةُ أَقرب إِلى فُصحاها. ولا ضير عندها من تَطوير الفصحى، بل تحديثها، بلَقَاحات محكية تَرفد مصطلحاتُها قاموسَ المكتوبة فتَغْنى اللغةُ وتُماشي مصطلحاتِ العصر، على أَن يتضمَّن اللَقاحُ بذورَ القواعد اللغوية كي لا يُؤْذي جوهرَ اللُغة الأُم الذي يَقتَبل عندئذٍ أَيَّ اشتقاقٍ ذي قياس، لأَن الخروجَ على القياس خروجٌ على المنطق، والقواعدُ أَصلًا منطق.
هكذا نكون أَبناءَ اللغة الجديرين بها روحًا وجسدًا.
وهكذا تبقى اللغةُ فضيلةً لا وسيلة.
ويبقى الأَهم: أَن نستحقَّ هذه الفضيلة.




http://www.alriyadh.com/1891338]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]