المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأدب منقذ



المراسل الإخباري
06-19-2021, 04:36
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png على مدى خمسة عشر عاما عاش الكاتب الفرنسي هونوريه دي بالزاك على إيقاع صارم رسمه لنفسه، ينام في السابعة مساء، يستيقظ في الواحدة بعد منتصف الليل، يكتب حتى الثامنة صباحا، يتناول فطوره ويخرج، ينهي أشغاله وتسكعاته في الثالثة بعد الظهر، يعود إلى البيت يأخذ حماما، ويستقبل أصدقاءه، يتناول عشاء مبكرا وينام. ساعده هذا النظام على استعادة تركيزه، واستغلال أكثر الأوقات صفاءً للكتابة والإصغاء لمخيلته، ترك بالزاك أكثر من تسعين رواية ومئة وسبعا وثلاثين قصة.
وإن اعتُبِر من أهم كتاب العالم، وأحد مؤسسي الأدب الواقعي، ساحر أجيال امتد أثره على مدى مئة عام، إلاّ أن الرّجل التهمه الأدب التهاما، فلم يكن باستطاعته أن يتخلص من سيطرة شغفه بالأدب، ويركِّز لتحصيل رزقه، عاش حياة قصيرة كرّسها للأدب، والهروب من دائنيه، والوقوع في الحب ثم النهوض منه خاسرا، ثم الوقوع مجدّدا، إلى أن تزوّج امرأة ظلّ يلاحقها قرابة العشرين سنة.
ومع هذا عاش محاطا بأصدقاء جيدين، منهم من أنقذه من دائنيه فأسكنه قصرا، ومنهم من خصَّص له منحة للعيش والكتابة.
عاش في زمن لا يشبه زمننا، حيث الأدب كانت له مكانة رفيعة، خاصة في القصور وبيوت الأثرياء حيث التعليم من أولويات التربية لأبنائهم.
قلقه العاطفي فسّره الدارسون بجفاء والدته نحوه وتفضيلها لأخيه هنري عليه، فعاش سنوات حياته الواحدة والخمسين يبحث عن أم بديلة بين كل النساء اللواتي عرفهن، وأغلبهن يكبرنه بسنوات، كما رُوِي عنه أنه بكى ثلاث ساعات دون انقطاع مع عويل موجع حين فقدت زوجته جنينها، دخل بعدها في فترة اكتئاب.
نفهم جيدا لماذا أحسن بالزاك وصف شخصياته النّسائية في أدبه، ولماذا شكّلن لفترة طويلة جمهوره الأوسع، والقوة الترويجية الأولى لأدبه، كما نفهم قوّة الكلمات الجيدة في بناء حياة موازية للكاتب، ربما هي في الحقيقة الحياة التي حلم بها، والتي سكنت مخيلته وأفكاره لعجزٍ عن تحقيقها. ظلّت خيالاته تتحكّم في إيقاع حياته إلى لحظة مماته، لقد عرف وخبِر "سرّ الكلمة" لهذا انقسمت حياته إلى قسمين، القسم الهادئ المكرّس للأدب ليلا والناس نيام، وقسم كرّسه لصخب النهار وتأمُّلِ الناس في أشغالهم وانشغالاتهم.
تُحِيلنا هذه الفكرة إلى الأهمية القصوى للسرد في الطب النفسي والعلاج النفسي، واستخدام أنواع أدبية معينة مثل الحكايات كعلامات لفهم جذور التعب النفسي لدى المريض. يتردّد هذا الكلام في الأوساط الأدبية وغير الأدبية، لكن دون منحه متسعا علميا في مشهدنا الثقافي، ناهيك عن المجتمع البعيد تماما عن الأدب وما تخبئه مكنوناته من أسرار.
بالزاك نموذج ليس بالكافي، في مقال قصير كهذا، إذ لا يمكن اعتباره أكثر من بوابة صغيرة جدا لدلف عالم واسع ومثير، مليء بالمعلومات المبهرة، إنها "الكلمة" حين تتولّى مهمة إنقاذنا من أنفسنا ومن مشكلات الحياة.




http://www.alriyadh.com/1891678]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]