المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هوامش على القرار والمؤتمر



المراسل الإخباري
06-21-2021, 02:06
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ دعوة الصحفيين وحدهم إلى مثل هذه المؤتمرات التي يُقيمها المسؤولون ويندب إليها رجال الدولة، إهمال لطائفة المواطنين المقصودين بمثل هذه القرارات والأنظمة الجديدة، وهم فريق التعليم من مشرفين وإداريين ومعلمين ومتعلّمين..
أمرانِ لا أُماري فيهما، ولا يهجم عليّ الشك حولهما.. الأول: أنّ المقاصد التي تدعو وزارة التعليم إلى قرارها الجديد غاياتها جليلة وأهدافها نبيلة، والثاني: أنّ هذا القرار مبني على ثلة من الخبراء والعارفين بشأن التعليم، ما ينفعه ويُعين على تطويره، وأنهم ما ذهبوا إليه واختاروه على ما جرّبوه وجرّبناه معهم، وهو الفصلان، وقضينا العقود في السير عليه والأخذ به، إلّا لما بدا لهم من فضله على التعليم والمستفيدين منه وحُسن عوائده عليهم، ومع رأيي هذا فيهم، فلدي هوامش، والهامش أقلّ قيمة من المتن وأدنى مرتبة، حول قرار الوزارة الجديد ومؤتمر الوزير، وأنا في هوامشي كما قال شاعرنا الأول أوس بن حجر:
أقولُ بما صبّتْ عليّ غمامتي .. وجهديَ في حبلِ العشيرةِ أحطبُ
وعشيرتي هي الوزارة، وأنا ما بقيت إن شاء الله تعالى ما لي سوى الاحتطاب بحبلها والامتثال لقراراتها.
وأول تلك الهوامش أنّ النواميس الضابطة أو القوانين المنظمة شأن عُني به بنو البشر منذ أقدم العصور، ومما وصلنا من حديث النواميس، والحديث فيها وحولها، حديث الأستاذ أفلاطون في كتابه (القوانين) وحظينا مع الكتاب أيضا باختصار الفارابي له، وهو اختصار لا يُغني عن الكتاب، ولا يقوم مقامه، إذ فوّت فيه الفارابي على القارئ الانتفاع بطريقة الحوار التي شُهر بها أفلاطون وعُرفت عنه، وأذهب عليه الرؤية المباشرة لما يُريده من أفكار ويقصده من معان، وكان مما ساقه أفلاطون، وناقشه مع محاوريه؛ أنّ النواميس - وهو الاسم الذي حكاه الفارابي للكتاب - ينبغي فيها لمن يقوم بها وعليها من المشرّعين أنْ تُسبق بتهيئة، تجعل الناسَ لها أكثر قبولا وأسرع إقبالا، وتُبْعَد قدر الإمكان عن كثرة التغيّر وتتابع أحداثه، وهو شيء وافق أرسطو أنّه: "يتطلّب كثيرا من التروي والتحفظ"؛ لأن غياب الأول يُبطئ التحوّل المطلوب، ويُضْعف وتيره، فقد علم الجميع تقريبا أن الجديد، إذا قُورن بالقديم الثابت المعروف، مَنْفور منه مُزْوَرّ عنه، وغياب الثاني وهو البعد عن كثرة التبديل في القوانين، يقود الجمهور إلى عدم الحماس لها، والوقوف معها، وذلك أن التبديل يُوقع في أخلاد الناس، وأهمّ طائفة منهم هنا المعلمون، أنّ ما يُقال الآن ليس سوى حلقة من سلسلة طويلة، لا يُدرى متى تقف ومتى تنتهي، وهذا ما يبدو لي أن التعليم عندنا يعيشه منذ فترة، ولم تُقدّم فيه دراسة فاحصة، تُظهر أثر ما يجري على المنتفعين منه، والقائمين به، وتكشف عن نتائجه في نظرة هؤلاء إلى مؤسستهم التي ينتمون إليها، وينتظرون دعمها؛ مع أنّ كثيرا من الأمور دُرست، وأُخضعت للدرس والنظر، إلّا ما يجري في التعليم، ومؤسساته اللاحقة به، ومثل هذه الدراسات لو قامت لربّما صدّقت هذين الأمرين اللذين أسداهما أفلاطون لنا في صناعة القوانين قبل أربع مئة وألفي سنة تقريبا.
وثاني الهوامش أنّ المسؤول الأول في المؤسسات، كالأمير والوزير ورئيس الجامعة، ليس هو مَن يطبخ أشكال التطوير وهياكله الجديدة، فذاك شيء تقوم به فرق كثيرة ومجموعات كبيرة، والذي ينبغي على من يرأسها أن يُقدّم ما خلصت إليه من نتائج بوضوح كاشف للمسؤول الأول، حتّى يُقدّم حين يُقدّم للناس والمشمولين بالقرارات الجديدة صورة بيّنة، وشكلا أبْلج، يمنع ما كان ذلك مستطاعا سوء الفهم والبعد فيه؛ فالناس في أصل طبيعتهم مختلفون في الفهم، متغايرون فيه، لا يكادون يخرجون من الشيء بفهم واحد أو متقارب، وهذا يجعل على مَنْ يُبلّغهم بأمر مهمةً دقيقة، ومسؤولية عويصة، تدعو مَنْ يقوم على التغيير والتطوير أن يطبخ الجديد طبخة ناضجة، تُجيب أسئلة المقصودين المحتملة، وتكفيهم معرّة خطأ الفهم، ومثل هذا مع المعلمين وهم شريحة عظيمة في مجتمعنا، محتاجون إلى بيان جلي وجيز، يُوضّح الجديد، ويقف على تمايزه عن غيره، وهو ما لم أجده في مؤتمر الوزير، ولا في أسئلة الصحفيين حوله، وكان في مقدور الفريق الذي قاد التغيير ودعا إلى التطوير، وخلص إلى فكرته الجديدة، أو قانونه - حسب عبارة أفلاطون - أنْ يُمدّ الوزير في حديثه بأوجه الاختلاف بين نظام الفصلين ونظام الفصول الثلاثة، وبهذا يعرف أصحاب الشأن الطريق الجديد، ويقف الأهالي عليه.
وثالث الهوامش، وقد أكون في رأيي مُغْربا مُبعدا، أنّ دعوة الصحفيين وحدهم إلى مثل هذه المؤتمرات التي يُقيمها المسؤولون ويندب إليها رجال الدولة، إهمال لطائفة المواطنين المقصودين بمثل هذه القرارات والأنظمة الجديدة، وهم فريق التعليم من مشرفين وإداريين ومعلمين ومتعلّمين، فهم أهل الميدان وأصحاب السؤال الأنفع والأعود على مَنْ يستمع إلى مؤتمر الوزير، ويريد فهم ما يجري، وكلّ الاحترام للصحفيين وأسئلتهم، ولكنّ معظمها - وشاهدي أسئلتهم لمعالي وزير التعليم - لم تكن الأسئلة التي ينتظرها مَنْ يُريد الوعي بلبّ التغيير الجديد، ويقبض على أهم ما فيه، وتلك كانت عندي هي الغاية التي عُقد لها المؤتمر، ودُعي له الصحفيون.




http://www.alriyadh.com/1891793]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]