المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أَيُّ حروف؟ أَيُّ أَفكار؟



المراسل الإخباري
06-24-2021, 20:29
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png أَستعير لمقالي عنوان هذه الصفحة الجميل "حروف وأَفكار"، وهو بَيِّنُ الدلالة في تركيزي على انتقاء الكلمة الأَنقى للمدلُول الأَبقى.
إِذا الكلمةُ وَحدة الكلام، شفَهيِّه أَو الكتابيّ، فوَحدة الكلمة تتجلَّى في حروفها.
وإِذا الكلمةُ تؤَدِّي المعنى، فالكلمة في مدلولها القاموسي تؤَدِّيه بأَمانة، لكنَّ في القاموس أَيضًا كلماتٍ أُخرى تؤَدِّي المعنى ذاته بحروف تجعل مؤَدَّاه أَجمل، ففي الحروف أَيضًا تفضيلٌ بين ضُمَّةٍ منها في كلمة، وضُمَّةٍ أُخرى.
هنا مثلًا، آخُذ هذا النموذج: استعملتُ كلمة "ضُمَّة" للحروف، وكان يمكن أَن أَستعمل "باقة حُروف" أَو "جَمعة حروف" أَو "مجموع حروف"، وثلاثتُها تعابير تفي للدلالة على حروف تتشكَّل منها الكلمة، لكنني آثرتُ كلمة "ضُمَّة" لثلاثة أَسباب: أَوَّلًا، لأَن في حروفها نغمةً موسيقية جميلةً لفْظًا، وثانيًا: لأَنها - كتابةً - توحي بالإِضمامة الحنون بين "الضاد" و"الميم"، وثالثًا (والأَهمّ): أَنها غير مأْلوفة الاستعمال أَو الفكرة في هذا المعنى، بل تجيْءُ عادةً في سياقٍ لا علاقة له بإِضمامة الحروف، هكذا خرجَتْ كلمة "ضُمَّة" من سياقها المأْلوف العادي إِلى استعارتها للدلالة على ما تُشَكِّل من حروف، و"غيرُ المأْلوف" عادةً في استعمال الكلمة هو ما يميّز كاتبًا عن آخَر، ويَسِمُهُ بأُسلوب خاص.
استعملتُ أَعلاه عبارة "نغمة موسيقية"، فهل للكلمات موسيقى في حروفها؟
طبعًا.. كما المؤَلِّفُ الموسيقيُّ يستخدم ضُمَّة نوتاتٍ دون سواها لتأَدية الميلوديا بنغمةٍ أَجمل، كذلك الكاتب ينتقي ضُمَّة حروفٍ دون سواها لتأْدية معناه بشكل ذوّاق.
أُعطي مثلًا آخَر: كلمتا "باخرة" و"سفينة" تعطيان المعنى ذاته، لكنَّ حروف كلمة "باخرة"، مع هذه الخاء في وسطها، ليست كتَسلسُل حروف "سفينة" بالفاء التي تُعانقُ النون فتعطي نغمةً مستحَبَّةً أَكثر.
وكذا في كلمات "رائحة" و"عطر" و"أَرج" و"عبير"، جميعُها تؤَدِّي المعنى ذاتَه للضَوْع الجميل، لكنّ كلمة "عبير" هنا "تغنِّي" حروفُها أَكثر من رفيقاتها بهذا الانسياب الموسيقيّ بين العين المفتوحة والباء المكسورة التي تَمُدُّ كَسْرتَها الياءُ بعدها.
هذه طبعًا اقتراحاتٌ غيرُ خاضعة لمقياس علْمي لا تُرَدُّ حقيقتُه، في الفن ذوقٌ بديع وفضاءٌ وسيع واستخدامٌ رفيع، يتمايز بها كاتب عن آخَر حين يحرص في كتابته: لا على استعمال أَيِّ كلمة لأَداء أَيِّ معنى، بل على اختيار حروفٍ أَجملَ في الكلمة كي يأْتي مؤَدَّاها أَجمل، أَوضَح، أَعذَب، فتكون كلمتُه مُزغرِدَةَ الحروف، وعباراتُه مُزغرِدَةَ المعاني، ونَصُّه - شعرًا كان أَو نثرًا - مُزغرِدَ الأُسلوب الجماليَ.
الشاهد هنا: انتقاءُ حروف تشكِّل الكلمة، وانتقاءُ كلمات تشكِّل النص.
هكذا يحيا الأَدب الجماليَ ويَخْلُد، في القَصيدة جاءَ أَو في النَثيرة.




http://www.alriyadh.com/1892613]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]