تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : الإبداع الذي يقتلع حواسَّك



المراسل الإخباري
07-10-2021, 23:52
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png خرجت أوروبا من الحرب العالمية الثانية منكوبة حتى النخاع، فقدت هيبتها وكيانها وتغيّر وجهها تماما، كان الدّرس قاسيا جدا بعد اقتتال تركها شبه قتيلة، تنزف دون توقف، وكانت مداواة جراحها بطيئة بسبب حجم الخسائر التي لحقت بها.
ملايين الموتى، ومثلهم معطوبون، وعدد مهول من المفقودين والهاربين منها، والأرامل والأيتام، تحوّلوا للواجهة الحقيقية لأوروبا.
انتشر الفقر والأمراض وعمليات النّصب والسرقات، وهذا كلّه نجده في الأدب الذي أرّخ بالتفصيل الممثل للمرحلة، فيما اكتفى التاريخ بتقديم تقارير تتشابه وتختلف حسب وجهات نظر المدونين، مرفقة بالأرقام التي لا تحرّك مشاعر وضمائر الإنسانية.
ما معنى أن يموت خمسة وخمسون مليون إنسان بسبب الحرب؟ أو سبعون مليونا؟
إن لم ترَ الموت بعينيك، وتلمسه بحواسك الخمس وكأنّه يتفحّص ساعة عمرك، فلا تحسبه سيؤثر فيك، قصّة واحدة عن معاناة عيّنة صغيرة من ذلك الرّقم المهول ستترك أثرها إلى الأبد في ذاكرتك وقلبك، وهذا ما يرويه لنا الكاتب الدنماركي سورين سيفيستروب في قصّته: (سيأتي هذا اليوم) أو (The day will come) التي حُوّلت إلى فيلم من إخراج جسبر دبليو وينيلسن عرض على ثلاث حلقات على منصّة «نتفليكس»، للأدب تلك القدرة السحرية لملامستك، كما لو أنّه كائن حقيقي يجلس قبالتك ويحملق فيك بعينيه المخيفتين.
يأخذنا سورين سيفيستروب إلى ستينات القرن الماضي، لمعايشة ميتم في الدنمارك، يتضح في خلال السرد أنّه ميتم حقيقي، مثل مئات المياتم التي انتشرت في كامل أوروبا بعد الحرب، نرافق أخوين رماهما اليتم إلى ميتم غودهافن في بلدة تيسفيل في الساحل الشمالي لجزيرة زيلاند الدنماركية، فنَرى فظائع بقايا الحرب في سلوك مدير ومسؤولي الميتم. وحين أقول بقايا الحرب فليس لتبرير ما حدث، بل لتوضيح قضية مهمة، وهي أن الحرب بعد أن تحطّ أوزارها تستمرّ في سلوك النّاس لفترة طويلة قد تمتد إلى نصف قرن، تماما كما حين تبدأ فتسبقها تهيئة طويلة تفسد أخلاق النّاس وتحوّلهم لنوعية من مصاصي الدماء الذين تدفعهم الكراهية للدخول في حروب استنزافية لا تنتهي إلاّ حين تتعب الأطراف المقتتلة، أو يتعب بعضها فيعلن استسلامه.
في قصّة سيفيستروب درسٌ رائع عن الأمل والخلاص والإرادة، مقابل ذلك الكمّ من القسوة والظُّلم وبشاعة اعتداء رجال على أطفال لا حول لهم ولا قوّة.
المبهِر أيضا في هذا الفيلم الدرامي الطويل الأداء العظيم لكوكبة الممثلين والممثلات وأغلبهم أطفال، أداء يجعلنا نتساءل هل الفضل في ذلك للمخرج أو لكاتب القصّة والسيناريو أو لباقي الممثلين وعلى رأسهم الطفل هارال كيسر هيرمان في دور «إلمر» والممثل الشاب آلبرت رودبيك ليندهارت في دور «إيريك» آنذاك؟
لا مبالغات في الفيلم، فتلك القسوة خرجت للعلن حين كبر أولئك الأطفال، فلا طفل يظلُّ طفلا، ولا حقيقة تُطمس إلى الأبد.




http://www.alriyadh.com/1895532]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]