المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الخِطَابُ المُبَرْقَش



المراسل الإخباري
07-10-2021, 23:52
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تستمد كلمةُ (مُبَرْقَش) من المادة اللغوية (بَرْقَشَ)، وقد أشارت بعض معاجم اللغة إلى هذه الكلمة، كما في معجم (العين) للخليل بن أحمد الفراهيدي (تـ 170هـ) حيث نجد في باب (الباء) ما نصه: «برقش: البَرقَشةُ شبهُ تنقيشٍ بألوانٍ شتى، وإذا اختلف لون الأرقش سُمّي: بَرْقَشة»، وفي هذا المعنى ما يشير إلى النقش، والتلوّن بألوان مختلفة، وهو ما يومئ إلى ملمح جمالي، وشيء من الطيف، عندما تجتمع الألوان، وتتشابك.
وأشار الجوهري (تـ393هـ) في معجمه (الصحاح) إلى بعض تفاصيل هذه الكلمة، فقال في مادة (برقش): «بَرْقَشْتُ الشيء، إذا نَقَشْته بألوانٍ شتى، وأصله من أبي بَرَاقِش، وهو طائرٌ يتلّون ألواناً»، فأما (بَرَاقِش) التي وردت في المثل المشهور «جَنَتْ على نفسها بَرَاقِشُ»، أو «عَلَى أَهلِهَا دَلّتْ بَرَاقِشُ» فهي كلبةٌ كانت تعرف بهذا الاسم، وذلك أنها لما سمعت وقع حوافر الدواب نبحت، فاستُدل على القوم بنباحها، وليس هذا مرادنا، إنما المهم لدينا هنا هو دلالة التزيين والتلوين.
وليس بغريبٍ أن نجد (الخطاب المبرقش) ضمن تفرعات الخطاب الفنية، وتشكلاته الجمالية؛ فقد توصف الخطابات أحياناً بـ(المزخرف – المزركش – المنمق – المزبرق – المزيّن...)، وقد رأينا قديماً عند أبي القاسم محمد بن عبد الغفور الكلاعي (تـ550هـ) شيئاً من تلكم الأوصاف في كتابه (إحكام صنعة الكلام)، إذ وضع نعوتاً لضروب متنوعة من الخطابات كــــ (العاطل) الذي خلا من الأسجاع والفواصل، و(الحالي) أي الذي حُلِّي بحسن العبارة، ولطف الإشارة، وبدائع التمثيل، والاستعارة، والأسجاع، والفواصل، ومثله (المصنوع) لأنه نُمِّق بالتصنيع، ووُشِّح بأنواع البديع، كما ذكر (الكلاعي) المرصّع، والمغصّن، والمفصّل، والمبتدع، والمورّى، والمنقاد، والمستجلب,، والمضارع، والمُشكِل، ونحو ذلك,، وأسهب في تفصيل كل نوع مع سوق النماذج لبعض الكتّاب المشهورين والمغمورين.
لقد لفت انتباهي هذا العنوان (الخطاب المبرقش) بعدما توقف عنده د. أحمد السماوي في كتابه (المقال الأدبي) حيث وضع عنواناً وهو: «المقال خطاباً مبرقشاً»، وأشار فيه إلى أن المقال قد يتجذّر جزئياً في القصصية محيلاً على جنس غربي كان في القرن السادس عشر يُعرف بــ(الخطاب المبرقش) الذي هو فرع عن الأقصوصة بحسب التقليد الفرنسي، أو هو عرض التجارب بشيء من المذكرات والمحاورات التي تنقل في قالب مقالي يفضي إلى القصصية، وكان (غابريال أ. بيروز) قد ألمح – بحسب د. أحمد السماوي - إلى أن هذا النمط من الخطابات يتخذ شكل القصة ويمكن نعتها بـ(مقالات قصصية)، وهي التي ظهرت في بعض الآثار من (مونتانييه) إلى (بوكاتشي).
ويلمح د. أحمد السماوي في كتابه المذكور آنفاً إلى أن الأثر الأدبي الماسي الذي كتبه (غيّوم بوشي) في أعوام (1584 – 1598م) يعد أنموذجاً جيداً للخطاب المبرقش، إذ يعرض فيه الكاتب ما كان يدور في بعض الصالونات المهمة من محادثات ومداولات تُعالج بطريقة تجمع بين ما هو قصصي وما هو مقالي.
وأحسب أن في أدبنا العربي قديمه وحديثه أشكال كثيرة من هذا الخطاب المبرقش، الذي يجعل الأجناس تتناغم مع بعضها وتتفاعل، ولن نجد صعوبة في اكتشاف أو إحياء مثل هذا اللون من الخطابات عند أشهر كتاب المقالة سواء في الأدب الحديث أو المعاصر، أو عند أدبائنا السعوديين على وجه التحديد والخصوص.




http://www.alriyadh.com/1895519]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]