المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثرثرة



المراسل الإخباري
07-15-2021, 19:07
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
وظيفة الإنسان في هذه الحياة أن يوحدَ الله تعالى ويعبده، ويعمر الأرض، ويعمل لآخرته، ولا تتأتى هذه الأمور التي هي قوام صلاح العباد والبلاد إلا لمن كفَّ عن فضول الأعمال والأقوال، فالأعمار محدودة، والأشغال التي ينبغي إنجازها كثيرة..
يظن بعض الناس أن الاسترسال في الكلام لا يكلِّفه إلا مجرد التحدث والكتابة، ولا يضع في حسبانه أن المرء مسؤول عما يقوله، وتلك المسؤولية سيحاسب على تفريطه فيها أمام ربه، وسيتحمل الخروقات المترتبة عليها في الدنيا أمام النظام، وستتأثر علاقاته مع الناس - سواء كانوا معارف أو أصدقاء أو أقارب - تبعاً لما ينالهم من وقْع كلامه، فعليه أن يقدِّر خطورة ما يمكن أن يجنيه اللسان من التبعات الثقيلة إذا أعطي الحرية المطلقة، ولم يتقيد بقيود تضبطه، وتحرر من وازع الدين والأخلاق والأعراف، ولي مع إطلاقِ العنان في مضمار الكلام وقفات:
أولاً: وجه الإسلام المسلمَ إلى ترك فضولِ الكلام بأمور كثيرة، منها التذكيرُ بأن المكلف لا يترك سُدًى، وليس له أن يقول ما يشاء بلا رقيب، فبين الله تعالى أن كلام العبد مدون محفوظ قال تعالى: (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد)، ومنها حصر حال المؤمن في أمرين يتردد بينهما، فإما النطق بالخير وإما الصمت، فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت»، متفق عليه، ومنها التنبيه على فوائد الكلمة الطيبة ومخاطر الكلمة السيئة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله، لا يلقي لها بالاً، يرفعه الله بها درجاتٍ، وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله، لا يلقي لها بالاً، يهوي بها في جهنم» أخرجه البخاري، ومنها تشريع العبادة اللسانية فقد رغِّب في ذكر الله وتلاوة القرآن الكريم والكلمة الطيبة، وإذا اشتغل اللسان بهذه الوظائف على الوجه الذي ينبغي انكف عن فضول الكلام، فالاشتغال بالخير انصراف عن ضده.
ثانياً: وظيفة الإنسان في هذه الحياة أن يوحدَ الله تعالى ويعبده، ويعمر الأرض، ويعمل لآخرته، ولا تتأتى هذه الأمور التي هي قوام صلاح العباد والبلاد إلا لمن كفَّ عن فضول الأعمال والأقوال، فالأعمار محدودة، والأشغال التي ينبغي إنجازها كثيرة، ولو اشتغل جميع الناس بفضول القول لتعطلت المصالح ضروريُّها وحاجيُّها وتكميليُّها، لكن - بحمد الله - لا يزال في الناس من تسامتْ به همته عن أن يشتغل بما لا ينفع، فأكبَّ على تخصصه الذي ينفع الناسَ من خلاله، فهل كان مبدِّد وقته فيما لا جدوى فيه مدركاً بأنه مخالف لمنهج وسلوك الناسِ المنتجين المعوَّل - بعد الله - عليهم؟ وهل يرضى لنفسه بهذه المرتبة الدونيّة؟ أم أنه يخادع نفسَه ويتخيَّلُ أنه يجمع بين الفضُول وبين فضيلةِ الأثر الحسن المحمود؟ فإن كان مدركاً لهذا الخلل، فعليه أن يهتمَّ بإصلاحه فالقناعة بالدونيَّة لا تليق، وإن كان راضياً به فهو وما اختارَ لنفسه، والفضائل أغلى من أن تنساقَ لمن أعرض عنها وزهد فيها، فمن أفصح لسانه بالتخلي عنها فلا يطمعنَّ في نيل ما ينالُ بها، وإن كان مخادعاً لنفسه بدعوى الجمع بين المسلكين فلينخدع إن شاء، لكن العقلاء لن يخدعوا به، فهم موقنون باستحالة الجمع بين مسلك الفضول ومسلك الفضائل؛ لأنهما ضدان.
ثالثاً: ما قيل في الكلام لا فرق فيه بين النطق والكتابة فالأمر كما قالت العرب: "القلم أحد اللسانين" فما ورد من النصوص في حفظ اللسان وفضل الكلمة الطبية، والتحذير من حصائد الألسنة، كل ذلك لا فرق فيه بين النطق والكتابة بكل أشكالها، بل إن الكتابة لها خصائص تجعلها أعمق أثراً، فإن القول إذا لم يكتب بقي محدود التأثير، وإذا كتب كانَ عرضةً لأن تتداوله الأيدي ويتناقل عبر العصور، والكتابة أيضا متفاوتة، فالكتابة في وسائل التواصل الاجتماعي أكثرها احتياجاً إلى التنقية والبعد عن تدوين ما لا نفع فيه، وإذا نشر فضول الكلام في وسائل التواصل الاجتماعي ازداد خطره؛ لأنه يكون من إشاعة السوء، وإشاعة السوء مفسدة عظيمة؛ ولهذا ورد الوعيد الشديد على ترويج الكذب، فمن المعذَّبين المحكيِّ عنهم في حديث سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ رضي الله عنه المخرَّج في صحيح البخاري: «وَأَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُشَرْشَرُ شِدْقُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَمَنْخِرُهُ إِلَى قَفَاهُ، وَعَيْنُهُ إِلَى قَفَاهُ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَغْدُو مِنْ بَيْتِهِ، فَيَكْذِبُ الكَذْبَةَ تَبْلُغُ الآفَاقَ»، ويزداد قبح الثرثرة في هذه الوسائل الاجتماعية إذا كان الكلام المنشور متضمناً ما يضر بأمن البلاد والعباد، وحاملاً للافتيات على الدولة ومحاولة النيل منها ومن هيبتها؛ لأن ضرر ذلك عامٌّ فادح، فعلى المسلم أن يتوقاه أشدَّ التوقِّي.




http://www.alriyadh.com/1896415]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]