المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أُفْقُ لونٍ وعبيرٍ في 7 كلمات



المراسل الإخباري
07-15-2021, 19:07
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png وَعَدتُ في المقال السابق (الخميس الماضي) أَن أَنتقل من النظَريّ في الأَدب، شعرِه والنثر، إِلى التطبيق في استعمالاتٍ تطرِّزُ النص، تجاوُرًا جماليًّا واشتقاقاتٍ وأَساليبَ بلاغة.
وكي لا أَستعير من سواي ما أَطبِّقُه، أَقطف من نصي ما أَدعو إِليه، كي أَكونَ مُطبِّقَه قبل أَن أَطلب تطبيقه من السوى.
في كتابي "داناي... مطرُ الحب"، من مقطوعة "أَنتِ في بيتي"، جاء: "هَـمْسُ النَسَم يحطُّ حافيًا على شفاه الورد".
يتَّضح في العبارة استعمالُ النَسَم (لا "النسيم" وهو هنا كلمة عادية تؤَدِّي فكرة عادية). والنَسَم هنا: "نَفَسُ الرُوح"، ما يؤَدِّي معنى ساميًا يرتقي إِلى سُمُوّ الحب فوق مادية اليوميات.
ويتَّضح أَنَّ لهذا النسَم "همْسًا"، أَي أَنه لا يُصَوِّتُ عاليًا. والهمْس هنا، في هنيهات الحب، يؤَدِّي جوًّا هادئًا هانئًا لا يليق به الصوت المسموع.
ويتَّضح أَنَّ هذا النَسَم، وهو بلا شكل، "يحُطُّ حافيًا" ليُبْقي جوَّ الهمس. فالحافي ليس لخطواته وقْع، وفعل "يَحُطُّ" يؤَدِّي صورة من يحلِّق واسعًا ثم ينزل فيحُطُّ في نقطةٍ محدَّدة.
أَين حطَّ هذا النَسَم؟ "على شفاه الورد". ولو جاء "على أَوراق الورد" لكان التعبير عاديًّا لأَن أَيًا كان سيستعمل "أَوراق الورد" أَو "ورق الورد". لكنَّ استعارة "شفاه الورد" تؤَدِّي تَخَيُّلَ صورة انفعال الشفاه (ابتسامةً أَو ارتياحًا أَو اقتبالًا) لدى استقبال هذا النَسَم. والمشهد بصيغة الجمع "شفاه" (لا "الشفتين"، كما المأْلوف للفرد الواحد) يؤَدِّي أَنَّ هذا النَسَم ليس ضيِّقًا ولا محدودَ المساحة والمسافة، بل واسعٌ على مدى النفَس. لذا لا يحط على وردة واحدة بل على جمْع من الورد ذي جموع من الشفاه. وعبارة "يحُطُّ حافيًا على شفاه الورد" تؤَدِّي بصريًّا منظرَ فراشات (والفراشة لا صوت لها ولا وزن) تحُطُّ "حافيةً"، أَي بلا صوتٍ ولا وزنٍ له وَقْع، على عدد ملوَّن من وردات ذات شفاه كثيرة. وهنا المنظرُ مزدوج: مهرجانُ فراشات ملونة تحُطُّ أَسرابُها على مساحة واسعة من الورد، ومهرجانُ وُرُود تقْتبل حطَّ النَسَم عليها كما تقْتبل الفراشات الصباحية عليها. ها هما إِذًا: مهرجانُ لون (النَسَم أَي الفراشات) ومهرجانُ لونٍ له عطر (عبير الورود).
هكذا: من استعارات بلاغية مُكَبْسَلة (من كبسولة) في ما سوى 7 كلمات، تفتَّحَت هذه العبارة السُباعية على معانٍ وآفاقٍ ذات محسناتٍ جماليةٍ بلاغةَ معنًى وفصاحةَ قَول، لتُؤَدِّي صورةً تتميَّز عن أَيِّ 7 كلماتٍ شبيهةٍ أُخرى في عبارةٍ أُخرى لا يتأَنَّـى كاتبُها في نحت أَدبه جهْدًا وصقْلًا وجماليَّات. وهنا سرُّ الأَدب وعظَمتُه.




http://www.alriyadh.com/1896416]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]