المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزائر الدولي



المراسل الإخباري
07-17-2021, 18:41
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
من الواضح أن الثقافة بكل أنواعها تتطلب وجود صناعة وتقنيات محلية متطورة، إذ لا يكفي أن تملك المواقع والقطع الآثارية بل يجب أن تملك المعرفة والتقنية التي تمكنك من المحافظة عليها وعرضها بأسلوب جديد كل مرة..
قبل خمسة أعوام تلقيت دعوة للمشاركة في برنامج "الزائر الدولي" الذي تنظمه وزارة الخارجية الأميركية لمجموعة من الخبراء من مختلف دول العالم، وكانت الزيارة هذه المرة متخصصة في التراث والآثار لمجموعة الدول العربية، وفعلاً اجتمعت مجموعة من المتخصصين من دول عربية عدة لمدة أسبوعين في شهر يوليو عام 2016م، وشملت الزيارة العاصمة واشنطن، ثم ولاية نيومكسيكو، وبعد ذلك مدينة سانت لويس في ولاية ميزوري، وأخيراً نيويورك. ما جعلني أتذكر هذه الزيارة هي مجموعة من الصور تلقيتها من رفقاء الرحلة (كونها الذكرى الخامسة لهذه الزيارة التي توافق هذه الأيام) ذكرتني بكثير من التفاصيل المهمة، في البداية يجب أن أقول إن البرنامج كان عميقاً ومحكماً، فالهدف يجمع بين التعريف بثقافة الولايات المتحدة وأنظمتها، خصوصاً فيما يتعلق بالقطع الأثرية والاتجار غير المشروع فيها، لا بد أن أقول إن تلك الرحلة تركت أثراً عميقاً حول أهمية وجود خبراء حقيقيين في مجال الثقافة والآثار، وليس مجرد موظفين.
في واشنطن زرنا متحف التاريخ الطبيعي، والتقينا بالقيّم على المتحف، وهو خبير في مجال المتاحف، وأخذنا في جولة حول المتحف، لاحظت وهو يتحدث أنه يعرف تاريخ كل قطعة من أين أتت؟ وكيف تم تصنيعها بل وحتى وزنها؟، وفهمت بعد ذلك بعد أن زرنا متحف المتروبوليتان في نيويورك لماذا كان يذكر لنا وزن القطع المعروضة؟ ففي إحدى الورش التي زرناها في قبو المتحف وهي متخصصة فقط في تصنيع حوامل القطع، فهي تصنع حسب وزن القطعة، وبالطبع هناك عدة ورش للترميم والتوثيق والحفظ والتصوير. كما أنني تذكرت القيّم على متحف الفن الشعبي في "سانتافيه" في نيومكسيكو، عندما تحدث بإسهاب عن قطعة فنية مصنعة من المعدن الخفيف، وقال لي إنها من بقايا "التنك" التي كانت تأتي من الفلبين الهولندية (أثناء الاستعمار الهولندي"، وكيف تم تحويل تلك القطع إلى أعمال فنية.
كان متحف السكان الأصليين في واشنطن يضج بالقصص المحزنة التي مر بها هؤلاء الناس، وأذكر هنا أنني قابلت واحدة من قبيلة "الأباشي" في "سانتافيه"، وكانت تقدم لنا عرضاً تاريخياً عن قبيلتها، وهي أستاذة في جامعة نيومكسيكو، وأثناء المحاضرة ذكر أحد الزملاء الهنود الحمر، فغضبت بشدة، وقالت "نحن لسنا هنوداً" بل نحن سكان هذه البلاد الأصليين، ظهر لي في تلك المحاضرة أهمية العمل المتحفي بشكل عام، والغوص بعمق في القصص التي تجلبها القطع الأثرية والرسائل الثقافية المهمة التي يمكن أن تقدمها للعالم، لقد سمعت عبارة: "كل قصة تاريخية دون دلائل مادية آثارية هي مجرد أسطورة"، المحزن فعلاً هو أننا عقدنا لقاء قبل عدة أسابيع حول المتاحف في العالم العربي، واكتشفت في ذلك اللقاء أن عدد المتاحف في الدول العربية أجمع لا يضاهي عدد المتاحف في فرنسا، بينما نحن نملك تاريخ العالم القديم.
في "شاكو" وهو موقع تراث عالمي في نيومكسيكو لفت نظري ثلاث مسائل، الأولى: عدد المؤلفات حول الموقع الذي لا يتجاوز بضع مئات من السنين، والثانية: الدليل السياحي الذي أخذنا في جولة حول الموقع ومعرفته التاريخية والتقنية والاجتماعية بالموقع ومن كان يسكنه، فقد تحدث عن ثقافة "الأناسازي" وكيف أثرت على توزيع النوافذ في المبنى، والثالثة: مركز الزوار والهدايا التذكارية التي تم تصنيعها ليحملها الزوار معهم قبل رحيلهم، منظومة متكاملة تدير الموقع باقتدار، وعقلية استثمارية تتعامل مع الموقع بحساسية عالية، فعلى الرغم من أن الموقع ناء والوصول له عن طريق غير معبد (لأن قبائل الأباشي وغيرها التي تسكن الموقع لا تقبل بوجود الإسفلت)، إلا أن الموقع مجهز تجهيزاً عالياً للزوار، يتكرر هذه المشهد في المواقع الأخرى، ويبدو أن الإدارة والخبرة العلمية يجب أن تعمل يداً بيد في مواقع التراث.
ولعلي أختم هذه الذكريات بمركز التوثيق والحفظ في "سانتافيه"، فهذا المركز مدهش بكل التفاصيل التي توجد فيه، وأسلوب تخزين القطع وأرشفتها، والتقنيات العالية التي تم تطويرها خصيصاً لهذا المركز، ومن الواضح أن الثقافة بكل أنواعها تتطلب وجود صناعة وتقنيات محلية متطورة، إذ لا يكفي أن تملك المواقع والقطع الآثارية بل يجب أن تملك المعرفة والتقنية التي تمكنك من المحافظة عليها وعرضها بأسلوب جديد كل مرة، ولعلي أعزو عدم تطور الثقافة المتحفية في العالم العربي إلى غياب مقدرة الإدارة الفعالة وغياب أكبر للتقنية والصناعة المصاحبة للعمل الثقافي بشكل عام، لقد أثارت تلك الذكريات بعض الشجون وبعض المواجع الثقافية، لكننا حقيقة يجب أن نعمل على تغييرها في المستقبل.




http://www.alriyadh.com/1896766]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]