المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الأضاحي وبِلال بن أبي رباح



المراسل الإخباري
07-18-2021, 10:55
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ هذا الدين رحمة للعالمين، ومن معاني الرحمة بالناس أن تتكيف تشريعاته بزمان أهله ومكانهم، خاصة تلك التي لها علاقة وطيدة بالإنسان وحاله التي يتقلّب فيها، فهل يقبل المسلمون أن يُعيدوا التفكير في استثمار أموال الأضاحي؟..
أيّهما أحبّ إلى الله تعالى.. أن تمدّ يدك بألفي ريال إلى محتاج ينتظرها منك في سداد كروة بيته، ويرغب فيها لشراء حاجاته اليومية، وابتياع لوازم أولاده في عيد الأضحى، أو تدفعها في ضَحيّة تأكل ثلثها، وتتصدق بثلث، وتُهدي ثلثا، وأنت في زمان يأكل فيه الناس اللحم المتنوع تقريبا كل يوم وتجارة الجِزارة فيه سوقها نافقة؟ أيّهما ألزم على المجتمع أن يكون كل فرد في عون إخوانه بماله، "من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته" أو يُنفِق أمواله في تذكية الأنعام والتضحية بها؟ أيهما آجر أن تأخذ بسنة الضحية أو تأخذ بدعوة سدّ الحاجة وردم الفاقة؟
مال إلى القول الثاني بلال بن أبي رباح - رضي الله عنه -، وروي عنه قوله: "ولَأَنْ أضعَه في يتيم قد تَرِب فوه أحبّ إليّ من أنْ أُضحي" وبمذهبه أخذ الشعبي، الذي قال فيه مكحول: "ما رأيتُ أحدا أعلم بسنة ماضية من الشعبي" وأبو ثور (المغني، 9 / 345) والذي يغلب على الرأي أن هذا الصحابي، وهذين الإمامين، لم يخفَ عليهما أنّ الضّحيّة سنة مؤكدة، ولكنهم قدّموا حاجة المحتاج، وآثروها عليها، وهم ما صنعوا ذلك، ولا ذهبوا إليه، إلّا لأنهم يرون ذلك ألزم دينا وأعظم مثوبة وأقرب إلى الله زُلفى، وألصق بدعوة النبي عليه الصلاة والسلام وأحب إليه، وذاك ما يريده كل مسلم، ويحدوه الأمل إليه.
إنّ هذا المذهب الذي اختاره هؤلاء الأئمة، ورضوا به، صورةٌ من صور الالتفات إلى واقع الناس وزمانهم، ووجهٌ من وجوه العناية بما هم عليه، وهو وإن قاد إلى ترك سنة، وتفويت الأخذ بها، فقد صار منها إلى ما هو أفضل عندهم وأحرى بنظرهم.
إننا مع إقبال عيد الأضحى أمام ثلاث حوادث، الأولى في تونس، والثانية في اليمن، والثالثة في أفغانستان، في تونس أعلنت الحكومة قبل أيام أن البلد أضحى موبوءا بكورونا، وفي اليمن تفاقمت المجاعة، وفي أفغانستان تزايدت أعداد اللاجئين، فهل نتوجه إلى إقامة سنة، إن لم نقم بها هذا العام قمنا بها العام المقبل، ونذر عون هؤلاء، وغيرهم من البشر المضطرين داخل بلادنا وخارجها، إنني أرى أن بلالا وصاحبيه لو كانوا معنا هذه الأيام لَدَعَوْنا إلى بذل الأموال لهم ودفعها من أجلهم؛ فالحفاظ على النفس من الضرورات التي جاءت الشريعة بصيانتها والمحافظة عليها، والإسلام دين لكل زمان ومكان.
"الإسلام صالح لكل زمان ومكان" مقالة مجمع عليها، وقضية مُسلم بها، وإنما الخلاف في فهمها، وطريقة تنزيلها على الأزمان: أيُغلّب جانب القضية الدينية، ويُصار في كل حين إليها، أو يُلتفت أحيانا إلى الواقع (الزمان والمكان) ويُجعل له نصيب من تكييف القضية وإعادة توجيه العمل بها، فيبقى للقضية روحها، وينصرف الناس أو بعضهم لداعٍ زماني أو مكاني إلى الامتثال لروح الدعوة، وليس إلى شكلها الذي طُبّقت به أول مرة؟
سمعنا جميعا أو قرأنا ما قام به الفاروق في مجموعة من القضايا الدينية، منها أنه حَرَم المؤلفة قلوبهم من الزكاة، فقام بأمرين معا: إيقاف شكل من الأشكال التي جاء النص الإلهي بها، وهو في ظني إيقاف مرحلي، اقتضته ظروف المجتمع، والثاني توجيه تلك الأموال التي يأخذها المؤلفة إلى غيرهم، وهذا شاهدٌ واضح أنّ مقالة صلاحية الإسلام لكل زمان ومكان قد تعني الالتفات إلى الواقع الذي يعيشه المسلمون، والعملِ بما يدعوهم إليه، وأنّ مَنْ يتولّى أمر الأمة ينبغي له أن يصرف بصره إلى زمانهم ومكانهم، ولا يُخلد لما وجد الناس قبله عليه؛ لأنّ مهمة التجديد الديني كبرى، ولن يقوم به غيره، وعليه أن يستعدّ لأحماله الثقيلة، فالتجديد، ولو كان يسيرا، سيُقابله الذين ألفوا الحال بالنفور والانزعاج والشكاية، وتلك سنة كل داع للخير مطالب له.
ويستند هذا القول إلى أنّ الرسول صلى الله عليه وسلم جعل سنة الخلفاء من بعده سُنّة تُتبع ويُسار عليها، وما من شك عندي أنّ ما قام به الفاروق في المؤلفة وغيرهم، وما قام به الخلفاء غيره، معدودٌ من السنة التي دُعينا للعمل بها والامتثال لها، وهي سنّة منهجية، وليست سنة جزئية، فليس القصد أن ننتقل من عمل كان إلى عمل جديد، وإنما الهدف الأحكم، والغاية العظمى، أن نأخذ بالمنهج نفسه، وننقله من قضية إلى قضية حسب ما يجدّ في زماننا الإسلامي ومكاننا الذين نعيش فيه، فلا تنفصل التشريعات عن واقع المسلم، وتتجرد من همومه الحاضرة؛ لأن هذا الدين رحمة للعالمين، ومن معاني الرحمة بالناس أن تتكيف تشريعاته بزمان أهله ومكانهم، خاصة تلك التي لها علاقة وطيدة بالإنسان وحاله التي يتقلّب فيها، فهل يقبل المسلمون أن يُعيدوا التفكير في استثمار أموال الأضاحي الضخمة، ويُحققوا بها أهدافا دينية كبرى؟.




http://www.alriyadh.com/1896894]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]