المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حدود الخصومة



المراسل الإخباري
07-18-2021, 10:55
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لقد كان العرب قبل الإسلام يتباهون بالحلم والسكينة والتؤدة والحكمة، وإن ندّ شاردهم في التفاخر بغير ذلك، ثم جاء القرآن متمماً ومكملاً لتلك الخصال الحميدة والمكارم المنيفة، فأسس للحديث قواعد لا تكاد تقع بوجودها خصومة..
(وكان الإنسان أكثر شيءٍ جدلا)، لقد جبل على إثارة الجدل والنقاش وتتبع الكلام، هكذا خلق الإنسان، وليست تلك صفة سلبية محضة، بل لها من الإيجابية قسط وافر، فمن ذلك تنتج كثير من المعارف لديه، وتتكون لديه ملكة استخراج الحكمة من أهلها، لكنه إن تجاوز الحد فقد يتحول الجدال بين المتحابينِ إلى خصومة لا تكاد تنتهي، وتتفرع إلى عداوة تثمر حقدا وبغضاء.
وكما هو الشأن في مجتمعاتنا العربية ربما تتناول آثار ذلك المحيطين بالمتخاصمَينِ، فإذا بها تحدث شرخًا بين بني عمومةٍ أو بين جيرانٍ أو ربما بين قبيلتين، لتنتهي بزرع المشاعر السيئة في المجتمع بعضه تجاه بعض، وفي الأساس ليس ثمة خصومة حقيقية تلامس حقوقًا مملوكة أو مفقودة، إنما هو سوء «جدل» أطلق فيه للألسنة عنانها حتى وقع المتلاسنان في بعضهما، وهكذا.
لقد كان العرب قبل الإسلام يتباهون بالحلم والسكينة والتؤدة والحكمة، وإن ندّ شاردهم في التفاخر بغير ذلك، ثم جاء القرآن متممًا ومكملاً لتلك الخصال الحميدة والمكارم المنيفة، فأسس للحديث قواعد لا تكاد تقع بوجودها خصومة (وقل لعبادي يقولوا التي هي أحسن) فهذا الانتقاء من الحديث لا يتوفق ولا يهتدي إليه كثير من الناس! فمهما كان الحديث طيبا، فإن انتقاء أطايبه من الكلام، وحسان العبارات يضيف في المجلس الوئام والمحبة، ويطرد الشيطان وأساليبه في الإيقاع بين الناس من باب «حب الغلبة» فمن أهم أغراض الشيطان سعيه لإيقاع العداوة والبغضاء بين بني آدم.
وحتى من قُدّر أن وقعت بينهما خصومة فالدفع بأطيب الكلام وإظهار حسن النية في الوصول للوفاق يجلب الوفاق حقيقة ويوقع المحبة (ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم) فحسن الحديث وحلاوة المنطق تضمن قلب العداوة محبة، وهي أضمن لاستدامة الصحبة والمجالسة.
ومما يؤثر عن الإمام الشافعي:
يخاطبني السفيه بكل قبحٍ
فأكرهُ أن أكون له مجيبا
يزيد سفاهةً فأزيد حلمًا
كعودٍ زاده الإحراق طيبا
ولا يعني ذلك أن تنظر لكل من دخل معك في جدل أو نقاش على أنه سفيه فليس ذلك هو المقصد، بل المقصد هو التعامل مع الألفاظ النابية التي يلقيها الشيطان في حديث الناس بهذه المعاملة، وإلا فإن أحياناً كثيرة يكون السكوت سبابًا وتهكمًا بالطرف الآخر إذا ما تعمد الساكتُ إشعار مجالسه أنه أحكم منه وأحلم! وإن كان كذلك في حقيقة الأمر إلا أن الزهو والتكبر والترفع في بعض المواطن لا تجد لها من مقابل غير السباب والشتيمة، وهذا المترفع أولى بأن يعرض عنه ويُدفع ترفعه وغروره بالأساليب والأخلاق المحمدية.
وربما كان للشيطان في هذا الباب مداخل كثيرة قد لا يستطاع استيعابها بكليمات قليلة المراد منها نشر الثقافة العامة والمساعدة في الحفاظ على الأخلاق الجميلة التي ظهر بها الإسلام وانتشر.
وفي الصحيحين تروي أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - فتقول: دخل رهط من اليهود على رسول الله فقالوا: السام عليكم. قالت عائشة: ففهمتها فقلت: وعليكم السام واللعنة. قالت: فقال رسول الله: «مهلا يا عائشة؛ إن الله يحب الرفق في الأمر كله» - وفي رواية: «وإياكِ والعنفَ والفحش» - فقلت: يا رسول الله، أو لم تسمع ما قالوا؟! قال رسول الله: «قد قلت: وعليكم» فهذه تطبيقات فعلية منه صلى الله عليه وآله وسلم لسعة الصدر والمبادرة لوأد الخصومة، وإغلاق باب الشر في وجه من يريد فتحه!.
قد يتعمد بعضهم إذكاء فتيل الخصومة مِن لا شيء، وليس له بذلك هدف غير الخصومة ذاتها، وغالبًا تجد الناس تنفر من مجالسة من هذا شأنه، وأعظم من إبعاد الناس له ما في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إن شر الناس عند الله منزلة يوم القيامة من تركه الناس اتقاء شره».. هذا، والله من وراء القصد.




http://www.alriyadh.com/1896892]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]