المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : حب الخير للغير



المراسل الإخباري
08-05-2021, 11:54
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
من المعايير التي تنكشف بها دعاوى حب الخير للناس المزيفة أن يمرق الإنسانُ من الجماعةِ ويشقَّ عصا الطاعة، ويتحدى أنظمة الدولة، ثم يتظاهر بمظهر المحب للخير الحريص على منفعة الناس، ويهيم في أودية الجريمة ثم يُسمِّي الإفساد الذي يسعى فيه إصلاحاً أو نحو ذلك من الأسماء البراقةِ، والواقع أن مساعيَه محاولة لنشر الفوضى وتعميم الانفلات، والفوضى لا تنتج عنها المصالح، ولا تنفك عنها المفاسد..
الإنسان السويّ لا يخلو من حب الخير لغيره، وتتوسع دائرة ذلك الحب حسب تفاضل الناس وتفاوتهم في نقاء السريرة، وعمق التفكير، ونضج الشخصية، وحب الخير للناس -كسائر الصفات الجميلة- لا يتجاسر من تخلى عنه على إظهار ذلك، بل يتظاهر بشيءٍ مزيفٍ من الحرص على منفعةٍ بعينها على الأقل، ويُفسِّرُ ما يشتغل به من العبث على أنه لا يخلو من محاولةٍ لجلب الخير لغيره، وهذا من مظاهر فضيلة الخلق الحسن، فالناس إما مستقيمٌ على دربه ملتزمٌ بقانونه، معترفٌ بفضله بلسان الحال ولسان المقال معاً، وإما منحرفٌ عن سبيله معاكسٌ لسمته جاهلاً أو متجاهلاً، مع الادعاء بعدم الخلوِّ من مراعاته، والتظاهر بعدم الإخلال بقواعده، ولا شك في خطورة ذلك التلبيس، خصوصاً أن أهل الإفساد والتلبيس قد يخفى على بعض الناس أنهم مبطلون، فيغترُّ بهم من يغترُّ، وتظهر أهمية حب الخير للغير وأهمية الصدق في ذلك في النقاط التالية:
أولاً: من الأهمية بمكان أن يربي الإنسان نفسه وأهله على محبة الخير للغير، ففوائد ذلك لا تكاد تُحصر، وفي مقدمتها ما يُشكِّلُهُ من كمال الإيمان، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله تعالى عنه، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ - أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ" متفق عليه، واللفظ لمسلم، وحريٌّ بخصلةٍ من الخصال التي يتوقف عليها كمال الإيمان أن تكون محلَّ عناية المؤمن واهتمامه، بل إن هذه الخصلة أصلٌ من أصول الخصال الحميدة، فمثلاً من تخلَّق بحب الخير لغيره أثمر له ذلك التخلُّقَ بالمسالمةِ وكفِّ الأذى عن الناسِ فالإنسانُ بطبيعته يُحب لنفسه السلامة من الأذى، فإذا أحبَّ ذلك لغيره فسيكفُّ عنه أذاه كما لا يتعمد أذى نفسه، وكذلك يُثمر له التخلقُ بحب الخير لغيره سائر الأخلاق المتعلقة بإيصالِ المنافع إلى الناسِ من إيثار ومدِّ أيدي المساعدةِ وإسعافِ المضطرين الكائنين على شفير الهلكة وغير ذلك، فمقتضى محبته أن يوصل له النفع لو حصل له ظرفٌ يستدعي ذلك، وحبه لإخوانه ما يحب لنفسه أن لا يتوانى في إيصال ذلك لغيره فهذا هو الإنصاف.
ثانياً: حب الخير للناس من الخصال المعينة على الالتزام برعاية المصالح العامة؛ لأن أغلب ما يُشجع على الاستهانة بالمصلحة العامة قَصْرُ الإنسان حب الخير على نفسه، فلا يُحب لعموم المجتمع ما يُحب لغيره، فيهون عليه أن تتأثر المصلحة العامة سلباً في سبيل حصول مصلحته الخاصة، كما أن حب الخير للغير مُعينٌ على احترام الأنظمة التي وُضعت لضبط أمور الناس؛ فمن حَرصَ على مصلحة المجتمع كحرصه على مصلحة نفسه أدرك أن مصلحة المجتمع لا يمكن أن تنفكَّ عن نظامٍ مستتبٍّ سارٍ على الجميع، وأن التهاون بأيِّ نظامٍ من أنظمة الدولة يُعتبرُ تهاوناً مباشراً بمصلحة المجتمع بمجموعه؛ ولهذا اقترن الأمر بمعاملة الناس كما يُحبُ أن يُعامَل بالأمر بطاعة ولي الأمرِ في قول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْه وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ) أخرجه مسلم من حديث عمرو بن العاص رضي الله عنه، فهناك علاقة وطيدة بين أن تحبَّ للناسِ الخيرَ وبين أن تحترم النظامَ السائدَ عليهم.
ثالثاً: من المعايير التي تنكشف بها دعاوى حب الخير للناس المزيفة أن يمرق الإنسانُ من الجماعةِ ويشقَّ عصا الطاعة، ويتحدى أنظمة الدولة، ثم يتظاهر بمظهر المحب للخير الحريص على منفعة الناس، ويهيم في أودية الجريمة ثم يُسمِّي الإفساد الذي يسعى فيه إصلاحاً أو نحو ذلك من الأسماء البراقةِ، والواقع أن مساعيَه محاولة لنشر الفوضى وتعميم الانفلات، والفوضى لا تنتج عنها المصالح، ولا تنفك عنها المفاسد، وعقلاء البشر في كل زمان ومكان يضعون التدابير الكفيلة بمنع الفوضى، ومن توهم أن اختلاقها يجلب مصلحة أو يدرأ مفسدة، فلا شك أنه واقعٌ في تناقضٍ لا يتبنَّاه إلا جاهلٌ لا يُدركُ حقائق الأمور أو مكابرٌ معاندٌ لا تعنيه الحقيقة، ولا يلتفت إلى الأدلة، ولا يخلو هؤلاء من التلبس بأحد هذين الوصفين السيئين، وعلى المجتمعات أن تبقى متيقظةً تجاه هذا، وتَعْلَم أن فاقد الشيء لا يعطيه، وأن المارق عن مجتمعه وجماعته لم يحرص على الخير لنفسه ولم يحفظ مصلحته الشخصية، فبعيدٌ أن يحرص على مصلحة المجتمع وبعيدٌ أن يجلب الخير أو أن يدلَّ عليه.




http://www.alriyadh.com/1899893]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]