المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وَهمْ اَلعَلمَانية



المراسل الإخباري
08-11-2021, 04:23
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إن المجتمعات العربية والإسلامية اُبتليت بفئة محدودة العدد من أبنائها ممن يتصدرون المشهد الفكري والثقافي والأدبي والإعلامي وهم في حقيقتهم يفتقدون للعلم، ويجهلون أبسط أدبيات المعرفة، ويكررون ما يسمعون من غير وعي أو إدراك أو تصور مبني على معرفة وعلم واطلاع..
يُقال بأن العَلمانية هي فصل الحياة السياسية عن الحياة المدنية في المجتمع، ويُقال أيضاً بأن العَلمانية هي فصل الدين عن الدولة، ويقال كذلك بأن العَلمانية تعني عدم تدخل الدولة في الحياة الخاصة للفرد، وبالإضافة لهذه الأقاويل المتعددة، هناك اجتهادات متنوعة تحاول، بشكل أو بآخر، الوصول لتعريف واضح ومحدد لهذه الكلمة ليكون مرجعاً عِلمياً متفقاً عليه، ليرتقي بكلمة عَلمانية من مجرد كلمة مستخدمة لتكون مُصطلحاً عِلمياً حقيقياً، إلا أن كل هذه المحاولات لم تنجح، ما أبقى كلمة عَلمانية مجرد كلمة تُوظف إما إيجاباً تماماً، أو سلباً تماماً، بحسب التوجهات والأهواء والرغبات.
وعلى الرغم من عدم وجود تعريف متفق عليه لكلمة عَلمانية، وكذلك على الرغم من عدم أصالتها في الثقافة العربية والإسلامية، وأيضاً على الرغم من استيرادها –من غير وعي– من الثقافة الغربية المسيحية، نجد هناك فئة محدودة ومعدودة من أبناء المجتمعات العربية والإسلامية أفنت عمرها وقضت عقوداً من حياتها مُدافعةً عن كلمة لا أصل لها في ثقافتهم وحضارتهم، وغير مُعرّفة تعريفاً دقيقاً حتى في المجتمعات الغربية المسيحية التي اُستوردت منها، فعلى مدى عقود ماضية وسنوات حاضرة وجدنا هؤلاء المدافعين عن "العَلمانية" يعملون بجهد عظيم لإظهار العَلمانية بالمظهر الجميل الخالي من العيوب، ويسعون لتصوير العَلمانية بأنها السبب الرئيس لتطور وتقدم ورُقي المجتمعات الغربية على جميع المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلمية والأدبية والصناعية والأمنية والعسكرية والسلوكية وغيرها من مستويات ومجالات لا حصر لها، وتحت هذا التأثر بالتطور التقني والتقدم الصناعي والتكنولوجي الذي وصلت له المجتمعات الغربية، تواصلت وتصاعدت أصواتهم للدفاع عن كلمة "العَلمانية" بدعوى أنها هي السبب الرئيس للتطور والتقدم والنهضة في جميع المجالات وعلى كل المستويات، وكنتيجة طبيعية لهذا التأثر التام بما وصلت إليه المجتمعات الغربية من تقدم وتطور كبير جداً، ارتفعت أصوات هؤلاء المُتأثرين بالمستوى المتقدم الذي وصلت له المجتمعات الغربية، مُطالبين بأهمية تبني كلمة "العَلمانية" في مجتمعاتهم العربية والإسلامية كمَطلب للتطور والتقدم على غِرار المجتمعات الغربية.
نعم، هكذا كانت البداية وهكذا تواصلت مسيرة هذه الفئة، قليلة العدد، الداعية لاِستيراد كلمة "عَلمانية" وفرضها في المجتمعات العربية والإسلامية، لتتمكن هذه المجتمعات البسيطة –المتخلفة في نظرهم– من اللحاق بالمجتمعات الغربية المسيحية صاحبة الريادة الاقتصادية والصناعية، وعلى الرغم من إيجابية الهدف والغاية المنشودة التي يطرحها دعاة "العَلمانية" والمُتمثل بأهمية التطور والتقدم، إلا أن تفسيرهم وتعريفهم لكلمة "العَلمانية" لا يلتقي إطلاقاً مع الهدف الذي يدعون إليه وهو التقدم والتطور والنهضة، حيث إنهم يرون "العَلمانية" فقط في جانب واحد، ويحصرونها فيه، وهو عزل وتجاهل وإبعاد الدين عن الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتعليمية وغيرها من مجالات ومستويات في المجتمع، بينما يتجاهلون تماماً الأسباب الرئيسة التي جعلت تلك المجتمعات الغربية المسيحية مُتقدمة وصناعية ورائدة عالمياً. ولكن، إذا افترضنا أن دُعاة العلمانية يعتقدون حقاً أن عزل وإبعاد وتجاهل الدين هو السبب الرئيس لتقدم وتطور ورقي المجتمعات الغربية، فهل فِعلاً الواقع كذلك في تلك المجتمعات الغربية بحيث لا وجود للدين في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعِلمية وغيرها من مجالات ومستويات؟ وهل فعلاً كان الدين سبباً لجهلهم وتخلفهم في قرون ماضية، والآن بعد إبعادهم وتجاهلهم وعزلهم للدين تمكنوا من التطور والتقدم والريادة العالمية؟ قد يرى دعاة العلمانية بأن هذه التساؤلات بسيطة، لأن ظاهر تلك المجتمعات الغربية يُبين أن الدين بعيد تماماً عن الحياة السياسية والاجتماعية وغيرها من مجالات، ولكن هل مثل هذه الإجابة السطحية، وغيرها من إجابات مشابهة، صحيح؟
قد تكون الإجابة بـ"نعم" تحتاج إلى شواهد دقيقة، وقد تكون الإجابة بـ"لا" تحتاج إلى شواهد وبينات، لذلك فإن النظرة لواقع المجتمعات الغربية المتقدمة والمتطورة وصاحبة الريادة العالمية ستُمكننا من الوصول لإجابات عامة حول واقع الدين وحضوره من عدمه في تلك المجتمعات الغربية المتقدمة والمتطورة.
إن المُشاهد لواقع تلك المجتمعات الغربية المُتقدمة سيرى بأن الدين حاضر بقوة على جميع المستويات وفي كل المجالات، وشواهده ظاهرة بيِّنة، ففي تلك المجتمعات الغربية المُتقدمة نجد أن الأعياد السنوية تقوم على أساس ديني، وأوقاتها مُجدولة ومُحددة لتكون عُطلاً رسمية على مستوى الدولة، ونجد أن تلك الدول الغربية تُمول المدارس الدينية، وتدعم إقامة الصلوات الدينية، من أموال دافعي الضرائب، ونجد أن بعضاً من رؤساء وملوك تلك الدول يمثل رأس السلطة الدينية، ونجد أن رؤساء تلك الدول يؤدون القسم واليمين الدستورية على كتبهم الدينية، ويقفون أمام رجالات الدين لديهم، ويتلون القسم خلفهم، ونجد أن دساتير تلك الدول تُشير مباشرة أو ضمناً لدين تلك الدولة أو تستخدم في دساتيرها عبارات لها مدلولات دينية، ونجد أن رؤساء تلك الدول يترددون على أماكن العبادة لديهم بشكل دوري، ونجد أن نظام تلك المجتمعات المُتقدمة يسمح بتأسيس أحزاب سياسية بمسميات دينية متوافقة مع دين المجتمع والدولة، ونجد معظم أبناء تلك المجتمعات الغربية يفتخرون بخلفيتهم الدينية، ويُظهرون علناً تمسكهم بشعاراتهم الدينية، ويُعلنون تعاطفهم مع من يشاركهم ثقافتهم الدينية، ونجد أن رموز وشخصيات ومشاهير تلك المجتمعات الغربية المتقدمة يظهرون تمسكهم بدينهم سواءً بتلاوة أذكارهم، أو ارتداء شعارات تدل على دينهم، أو بتحريك أيديهم في إشارة دينية طلباً للتوفيق والنجاح، ونجد أن بعضاً من تلك الدول الغربية المتقدمة تضع عبارة أو عبارات دينية على عملتهم الرسمية.
وبالإضافة لهذه الشواهد والبينات الظاهرة التي تدل دلالة قطعية على وجود وحضور الدين في حياة وسياسات تلك المجتمعات الغربية المتقدمة، هناك شاهد ومدلول قوي يضع الدين فوق كل اعتبارات أخرى وهو أن هذه المجتمعات الغربية تُعلن صراحةً بأنها دول مسيحية، وتسمي نفسها بالنادي المسيحي، وترفض انضمام أي دولة غير مسيحية لهذا النادي مهما كان حجم المُغريات السياسية والاقتصادية والمادية والصناعية والبشرية وغيرها من مغريات.
إن هذه الشواهد والبينات والمدلولات الدينية الظاهرة في المجتمعات الغربية تُبطل تماماً الادعاءات التي يرفعها دعاة "العَلمانية" القائلة بأن الدين سبب رئيس للتخلف والجهل والتراجع، وبأن عزل الدين وإبعاده عن الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية سبب للتطور والتقدم والازدهار، هذه النظرة السطحية التي تجهل الأسباب الحقيقية لتطور وتقدم المجتمعات الغربية هي سبب تخلف وتراجع معظم المجتمعات العربية والإسلامية، إن المجتمعات العربية والإسلامية اُبتليت بفئة محدودة العدد من أبنائها ممن يتصدرون المشهد الفكري والثقافي والأدبي والإعلامي وهم في حقيقتهم يفتقدون للعلم، ويجهلون أبسط أدبيات المعرفة، ويكررون ما يسمعون من غير وعي أو إدراك أو تصور مبني على معرفة وعلم واطلاع.
وفي الختام من الأهمية القول: إن على أبناء المجتمعات العربية والإسلامية أن يدركوا يقيناً بأن "العَلمانية" ليست إلاً وَهْماً لا وجود له في واقع المجتمعات الغربية المسيحية، وليست إلا تضليلاً وتجهيلاً يمارسه دعاة "العَلمانية" في مجتمعاتهم نقية الدين والحضارة، وأصيلة المبادئ والقيم والعادات والتقاليد، ويكفي تكذيباً لدعاة العلمانية أن المملكة العربية السعودية، دولة الإسلام الأولى، وحاضنة الحرمين الشريفين، ورمز العدل والاعتدال والوسطية في العالم، ورافعة شعار الشهادة والاستقامة في علمها الرسمي، أصبحت عضواً في مجموعة العشرين لأكبر اقتصادات العالم، وتقدمت في سلالم المجد العالمية لتكون نموذجاً في كثير من الجوانب لتلك المجتمعات الغربية المسيحية المتقدمة.




http://www.alriyadh.com/1900828]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]