المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عندما تنطق الحروف



المراسل الإخباري
08-14-2021, 21:26
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
لا أنكر أبداً أن مسابقة مجسم وطن جعلتنا أكثر قرباً من الكيفية التي يفكر بها المبدع السعودي، ونحن على يقين أنها ستساعدنا في المواسم المقبلة على تقريب فكرة تفكيك التراث والوصول إلى أنويته المختلفة وإعادة إنتاجها بأسلوب معاصر..
في زيارة للمتحف الوطني في الرياض يوم الخميس الفائت لمشاهدة معرض "رحلة الكتابة والخط"، والذي سينتهي خلال أيام (21 أغسطس)، لاحظت وجود بعض الأفكار خارجة عن السياق التقليدي، أحد الأعمال التي قدمتها الفنانة السورية رنيم الحلقي عملت على تكوين ثلاثي الأبعاد، واستخدمت الخط الحجازي القديم لخلق مجموعة من اللوحات الفنية المصنوعة من الفولاذ المقطوع بالليزر معلقة في السقف، ويمكن مشاهدتها بتكوينات لا نهائية كلما تغيرت الزاوية، كما أن الفنانة الكويتية فرح بهبهاني قدمت عملاً فلسفياً يتعامل مع الخط العربي بأسلوب التفسير والإسقاط وهو أشبه بالمجسم الجمالي الذي يفترض مشاهدته على نطاق واسع داخل المدينة، فرسالة هذا العمل ركزت على تأثير المخلفات البلاستيكية على البيئة رغم أنه عمل مرتبط بالخط والتشكيل البصري، المعرض يحتوي على الكثير من الأفكار التي تستحق الزيارة والدراسة، أحدها للفنان المصري هيثم نوار، الذي بنى شاشة عملاقة تجمع العديد من اللغات تتداخل الأحرف داخل هذه الشاشة بشكل متغير لتصنع تشكيلات بصرية مختلفة، كما أن الفنان الفرنسي "ميشال بيزان" طور ما سماه "استديو العين الخطاطة"، وأطلق عليه عنوان "كوكبة من الحروف"، فهو يرى أن العين هي التي ترسم وليست اليد.
كل هذا أعادني إلى مقال كتبته قبل عدة أسابيع كان عنوانه "كيف يفكر المبدعون؟"، وفي ذلك المقال كان الهدف هو كيف يصل المبدع إلى لحظة الإلهام، وكنت أرى أن العين العارفة والعين المدربة هما المجالان الأقرب للعقل وللحظات الاكتشاف التي يصل لها المبدع عادة بشكل مفاجئ، كيف ترى العين الأشياء التي لا يراها جميع الناس؟ وكيف تحولها إلى عمل فني إبداعي؟ هذه اللحظة الغامضة كيف نعلّمها لأبنائنا وبناتنا؟ وكيف ندربهم على رؤية الأشياء التي لا يستطيع الآخرون رؤيتها؟ سألني بعض الزملاء عن السؤال الأخير على وجه الخصوص، وقال لي: هل الأدوات تساهم في تطوير موهبة الإنسان؟ وتذكرت حديث المعماري الألماني المعروف "ميس فان دروه": إن العقل هو الذي يتخيل ويرسم وليست اليد، فقلت له: من لا يملك الموهبة ولا يستطيع رؤية ما وراء الأشياء فلن يتقاطع مع لحظات الإلهام في حياته، والذي يبدو لي أن الفنان الفرنسي "بيزان" فهم هذه الفكرة بعمق وحاول أن يترجمها بأسلوب العقل الإلكتروني المعاصر، ويربط بين عالم الواقع وعالم الافتراض في العمل الفني.
أعود إلى التجارب الاستكشافية التي قمنا بها خلال الثلاثة أعوام الأخيرة في مسابقة "مجسم وطن"، وهي مسابقة تهتم بشكل رئيس في إتاحة الفرصة للمصممين السعوديين (ذكوراً وإناثاً) للنظر إلى ما وراء الأشياء والأفكار الظاهرة في تراثنا وتاريخنا الوطني، وتحويلها إلى أفكار تصميمية لمجسمات في مواقع رئيسة داخل المدن السعودية، كل عام يتم اختيار ما بين اثنين أو أكثر من التصاميم الفائزة ويتم تنفيذها والاحتفاء بها في اليوم الوطني، وكل عام تجرى هذه المسابقة، ويشارك بها عدد لا بأس به من المصممين (بشكل فردي أو جماعي). لقد لاحظنا خلال المشاركات في الثلاثة مواسم السابقة أن هناك إشكالية في اكتشاف ما وراء الأفكار والأشكال الظاهرة، ورغم أن بعض الأعمال التي تقدمت تضاهي الأعمال العالمية لتصميم المجسمات إلا أن النطاق الفلسفي لتفسير الأفكار كان ضيقاً مما ساهم، إما في تكرار هذه الأفكار أو في سطحية تفسيرها، ووجدنا أنه من الضرورة بمكان أن يكون هناك "استديو تجريبي للأفكار" يركز بشكل أساسي على آلية نمو الفكرة التصميمية، "من النواة إلى المجال التصميمي"، والمقصود هنا هو العودة إلى أنوية الأفكار كما ذكرنا في مقال الأسبوع الماضي (الأصل والتابع)، وهذه العملية التدريبية ليست تدريباً على التصميم بل هي تدريب على خلق الأفكار.
لا أنكر أبداً أن مسابقة مجسم وطن جعلتنا أكثر قرباً من الكيفية التي يفكر بها المبدع السعودي، ونحن على يقين أنها ستساعدنا في المواسم المقبلة على تقريب فكرة تفكيك التراث والوصول إلى أنويته المختلفة وإعادة إنتاجها بأسلوب معاصر، كما رأيته في أعمال البعض في معرض رحلة الكتابة والخط، وإن كنت أعتبر هذه المحاولات هي مجرد بداية، ودائماً البدايات تواجه تحديات كبيرة، ولكوننا في مجسم وطن نحرص بشكل أساسي على خلق البيئة الإبداعية بين الشباب السعودي، ونتيح لهم فرصة التنافس والتعبير عن أفكارهم بشكل مفتوح ومن دون قيود، فإننا نتوقع تجدداً متصاعداً للعقل القادر على التخيل، المرتبط بالعين العارفة والعين المدربة، الذي يستطيع أن يغوص في شبكة مفردات التراث ويعيد ترتيبها رحلة الكتابة والخط بما يناسب المستقبل.




http://www.alriyadh.com/1901458]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]