المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : مستشفى الأدب وصيدلية اللغة



المراسل الإخباري
08-14-2021, 21:26
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png يطلق بعض العامة (مستشفى السيارات) على المكان الذي يضم قطعاً من السيارات التالفة، أو التي لم تعد تصلح للاستعمال، كما يصف بعضهم ذلك المكان بـ(التشليح، أو التشاليح)، وعلى أية حال، فقد أثار الوصفان استغرابي من حيث تناسب المعنى، ولا أدري ما علاقة هذه الكلمة (المستشفى) بالسيارات المعطوبة، وقطعها المتناثرة؟! كما لم أستوعب استعمالهم كلمة (تشليح أو تشاليح) لهذا الأمر، ولو قالوا: (تشريحاً)، لكان وصفهم أنسب وأبلغ؛ ذلك أن التشريح يوحي بالتقطيع، والتفصيل، وتدل معانيه على بسط الشيء، وتوسيعه، وتفريقه، وهو ما يناسب فكرتهم.
وإذا كان المستشفى، والتشريح، يتناسب مع الحياة الإنسانية، والحيوانية (الطب البيطري)، فإنه قد لا يتناسب مع الجوانب الآلية، والجامدة؛ ومن هنا فإن المستشفى، أو التشريح، أو التداوي، أو نحوها، أوصاف إنسانية في المقام الأول؛ لذا جاز لنا ضمها إلى الأدب، واللغة؛ لأن الأدب ميدان وجداني عاطفي رحب، ولأن اللغة مجال علمي عقلي واسع، ففي الأدب علاج، وفي اللغة دواء، وكلاهما مما يستطب به.
ولئن كان بعضهم يرى في الاسترخاء، والرياضة، والسفر، والقراءة، وغيرها، أدوات علاجية، فإن التداوي بالأدب أمر لا يقل شأناً، بل ربما فاق في نجاعته وسائل أخرى، ويأتي الأدب دليلاً على الاستشفاء من بعض العلل، والأعراض، ففي الشعر سلوة، وفي النثر تنفيس، ولقد جرّب الذين تسلوا بالأشعار عند مصابهم كيف وَقع الشعر في تسليتهم، وتخفيف آلامهم، ولولا ذلك لما ألّف المدائني (ت228هـ) كتابه (التعازي)، ولما ألف المبرّد (ت286هـ) كتابه (التعازي والمراثي)، فالكتابان ينضحان بموقف الأدب عند نزول الفواجع، وما يمكن أن يقدمه في سبيل تهوينها، وتخفيفها، وحث الناس على الصبر، وعدم الجزع، والسخط.
إن الفرح أو الغضب أو الاستهجان أو العتاب، أو نحو ذلك من الأغراض والموضوعات التي يضطلع بها الأدب عموماً، إنما هي متولدة من نفس الإنسان، وعواطفه، ومشاعره؛ لذلك فهي مادة الأدب وعصبه، ومن خلالها يصنع الشعر والنثر للمجتمع ترياقاً لتنقية النفس، وتصفيتها، وتهذيبها، وتوجيهها؛ فالأدب تصور عاطفي للإنسان، والكون، والمجتمع، والحياة، وهو بذلك يحاكي المستشفى، غير أنه يعالج النفوس، لا الأجساد، ويداوي الهموم، لا الجسوم، ويبرِئ المشاعر، لا الأبدان، فهو عياداتٌ من العواطف يتداوى من خلالها الناس كل بحسب علته، بل هو مستشفى تجميلي أيضاً، يزيّن الأشياء من حولنا، ويحول القبيح إلى الحسن، وغير المألوف إلى مرغوب ومعروف، ويجعل حياتنا أكثر إبداعاً، وإمتاعاً.
وإذا كان الإنسان المعتل بحاجة أيضاً إلى صيدلية تصرف له دواءً مناسباً، فإن الأدب بوصفه وسيلة علاجية لا بد أن يحيل على صيدلية لغوية؛ ولذلك يقول الأستاذ الدكتور عبدالله المفلح في كتابه (من تحليل الخطاب إلى بناء الخطاب): «لم تعد الصيدلية اليوم خاصة بصرف الأدوية والعلاجات وبيعها، وإنما يوجد فيها الكثير من حوائج الناس، مما له علاقة بالتجميل، والعناية الشخصية بالرجل، والمرأة، والأطفال، ومن هنا فإن الصيدلية اللغوية ليست فقط متخصصة بتقديم المقترحات والبدائل اللغوية لمن يريدون بناء الخطاب العلاجي من الأخصائيين، والأطباء النفسيين، وإنما هي شاملة لكل من يريد إدخال تعديل معين في خطاب شخص، أو مجتمع ما، أو بناء خطاب جديد يهتم بعناصر التجميل الفكري والسلوكي».




http://www.alriyadh.com/1901447]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]