المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المظلومية



المراسل الإخباري
08-19-2021, 03:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
المتظلم على المجتمع يكون ممن ساء حظه؛ بسبب إخفاقه في تعاطي الأسباب الصحيحة، أو تعاطاها على غير الوجه الذي تنتج به، ولا يريد أن يحاسب نفسه ويُصحِّح مساره، بل يستثقل إلقاء اللوم على نفسه، فيبحث عن جهةٍ يلقن نفسه أنها التي هضمته، ولا يدري هذا المتظلم أن المجتمع والدولة لا يُفرِّقان بينه وبين الناجحين الذين يغبطهم، لكن الناجحين كدّوا وكابدوا المشاقَّ، فقطفوا ثمرات اجتهادهم..
الإنسان -بطبعه- ميّالٌ إلى حب النفس ورؤية الرجحان على غيره، ودعوى استحقاق كيت وكيت من الاهتمام، فإذا تمادى في ذلك، وترك خواطره مسترسلة في هذه المجالات وهائمة في تلك الوديان، فإنه سيعاني من الأنانية وقصر النظر على الذات بشكل مبالغ فيه، وسينسج له خياله دعاوى عريضة تتمثل في انتحال المظلومية، وتخيل هضم حقوقه وأنه يستحق ما لم ينله، ويوشك من ترسّخت عنده تلك الفكرة أن يعامل الناس على وفقها، فيجمع بين خطأ المنطلق وخطأ السلوك، اللهم إلا أن يحظى بتهذيب نفسه بتربيةٍ تُقيمُ عوجه، أو تديُّنٍ يحجزه عما لا يليق، أو عقلٍ ناضجٍ يُميز به بين الصواب والخطأ، أو تجاربٍ في حياته يستلهم منها الذكرى والعظةَ، ولي مع انتحال المظلومية وقفات:
أولاً: ينشأ الظلم عن حجب حقٍّ كان المحجوب عنه يستحق أن يُسدى إليه، أو إلحاق ضررٍ غير مأذون فيه شرعاً ونظاماً، وهذا راجعٌ إلى الأول؛ لأن من حق الإنسان أن لا يُلحق به غيره الضرر، فمتى ألحقه به فقد حجب عنه حظه من احترام صيانته أو خصوصيته، ومعلومٌ أن حقوق الناس بعضهم على بعض لم توكَّل إلى مزاجِ أحدٍ، ولم تنَطْ بهواه ورغبته، بل إنها قُرِّرت ورُسمت بوضوحٍ ودقةٍ في تشريعات الشرع الحنيف، وفي الأنظمة المرعية، ورُوعيت الأعراف والعادات في كثيرٍ من التشريع الفقهي والنظامي، ومن حرص الشريعة المحمدية على تبادل الناس حقوقَهم لم تتركهم وجبلتهم، بل شددت على بعض الحقوق المتأكدة، فأوجبت بعضها على جميع المسلمين على وجه فرض الكفاية المفروض على الأمة، ويسقط بفعل بعضها، وفرضت بعضها على ناسٍ معينين لناسٍ معينين؛ لخصوصية اقتضت ذلك كفرض حقوق الزوجين موزعة على الطرفين، وفرض حقوق الوالدين على الأولاد، وحقوق الأولاد على الوالدين، ولو أمكن استغناء حقٍّ عن التشريع المنظم لاستغنى عنه هذا؛ لأن النفوس مجبولة على مراعاته، ولما كانت هذه الحقوق مضبوطة بدقةٍ أمكن معرفة حصولها من عدمه، ولا يملك مدعي المظلومية فيها شيكاً على بياض ليسجل على غيره ما يحلو له من النسبة إلى التقصير بلا ضابطٍ ولا قيدٍ، وإذا كان الأمر كذلك فمن المستبعد أن يكون مجرد انتحال المظلومية كفيلاً لصاحبه بكونه محقّاً.
ثانياً: قد يصير المتظلم منتحل المظلومية ظالماً من حيث يدري أو لا يدري؛ وذلك لأن الحقوق مقنَّنةٌ بدقةٍ، فمن استرسل في دعوى أنه بُخس حقه فيها شاحَّ الناسَ وحمله هذا على اتهامهم وتظليمهم، وهذا ظلمٌ منه وعدوان، فكما أن منع المستحق حقَّه ظلم، فلوم من لا حق عليه على منع ما عنده ظلم، وكذلك مطالبة من عليه شيءٌ منه بأكثر مما عليه، فمن فعل هذا بأخيه فقد بهتَه وادعى عليه بلا بينة، والمشكلة أنه لا يكتفي المتظلم بذلك، بل يضيف إليه تعديات أخرى فيرتع في عرض أخيه الذي ظنه مُقصِّراً في حقه، فيجمع بين أصناف من الظلم، وهذا النوع من المتظلمين قد تجده يرى لنفسه على الناس حقوقاً لا تجب له عليهم، لا بشرعٍ ولا بنظامٍ ولا بعرفٍ، وقد تجده يرى لنفسه حقوقاً فوق ما يستحقه، ولا يدري أن بعض الحقوق تتأدى بأقل ما يطلق عليه الاسم، وما فوق ذلك إما غير مطلوب أو من قبيل التطوع الذي لا يُعدُّ تاركه ظالماً، وقد تجده لا يعي أن الإنسان قد يُعذر في أداء ما ليس بوسعه، وعلى قريبه أو صديقه أن يقبل منه الكلمة الطيبة إذا بذلها بدلاً من منفعةٍ أو زيارةٍ أو تعاونٍ إذا لم يستطع ذلك، فالقول الميسور هو البدل عن إيتاء الحق عند العجز قال تعالى: (وَإِمَّا تُعْرِضَنَّ عَنْهُمُ ابْتِغاءَ رَحْمَةٍ مِنْ رَبِّكَ تَرْجُوها فَقُلْ لَهُمْ قَوْلاً مَيْسُوراً).
ثالثاً: الناس الذين ابتلوا بأنهم ينتحلون المظلومية مختلفون، فمنهم من يركز على من حوله من الأسرة والقرابة، ومنهم من يُوسِّعُ الدائرة قليلاً؛ لتشمل الأصدقاء، ومنهم من يُوسِّعها إلى زملاء العمل ومن في حكمهم، ومنهم من يُوسِّعها كثيراً لتشمل المجتمع والدولة، فَيُخيَّلُ إليه أنه مهضوم الحق من قبل مجتمعه ودولته، والغالب أن هذا المتظلم على المجتمع يكون ممن ساء حظه؛ بسبب إخفاقه في تعاطي الأسباب الصحيحة، أو تعاطاها على غير الوجه الذي تنتج به، ولا يريد أن يحاسب نفسه ويُصحِّح مساره، بل يستثقل إلقاء اللوم على نفسه، فيبحث عن جهةٍ يلقن نفسه أنها التي هضمته، ولا يدري هذا المتظلم أن المجتمع والدولة لا يُفرِّقان بينه وبين الناجحين الذين يغبطهم، لكن الناجحين كدّوا وكابدوا المشاقَّ، فقطفوا ثمرات اجتهادهم، فإذا أراد أن يكون مثلهم فليسع كما سعوا.




http://www.alriyadh.com/1902442]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]