المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثقافة الشعبية وآثارها



المراسل الإخباري
08-19-2021, 03:21
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
أصبحت هذه الثقافة الشعبية في يومنا هذا بعيدة عن الغرائبية وعن السخرية والاستهزاء التي لاحقتها منذ زمن، وقريبة من الاهتمام الشعبي لأغلب أفراد المجتمع ومن الإحساس بأهميتها، وذلك من خلال الأبحاث الأكاديمية المتعددة، والمتناسلة كل سنة، أو من خلال الندوات الفكرية والثقافية التي تعقد هنا أو هناك..
لقد عرفت الثقافة الشعبية في المملكة نشاطاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وخاصة بعدما أطلقت وزارة الثقافة عدداً من الهيئات ذات الصلة، والتي من شأنها الحفاظ على الإرث صاحب السِّمة المشتركة والمتوارثة، حرصاً متوازناً ومتوازياً على تطويرها وتماسها مع كل الإبداع المتجدد والمتلامس مع الواقع المعاش، وبما يحقق رؤية المملكة 2030.
لم يكن ذلك على مستوى الأكاديميين فحسب، وإنما على مستوى الطلبة والجامعيين، والباحثين وأيضا الممارسين لهذه الثقافة الشعبية، مما شكل توجهاً مكثفاً حول الثقافة الشعبية، والذي لم يكن على القدر الكافي في حِقَب الثمانينيات من القرن المنصرم. والآن -وبعد مرور ما يقرب من اثنين وعشرين عاما من تأليفنا لكتاب العادات والتقاليد في المملكة العربية السعودية- لم نعد نجد تلك الصعوبات التي واجهتنا في البحث والتقصي وحتى الجمع، كان ذلك لندرة المراجع وتعسر الحصول على مصادر تخص هذا الشأن في الممارسات اليومية من القول أو الفعل بما يحمل ما تحمله الثقافة الشعبية لهذه البلاد التي كان يتوجب حينها النزول للميدان بعيدا عن الدراسات النظرية وما إلى ذلك.
إلا أنها أصبحت هذه الثقافة الشعبية في يومنا هذا بعيدة عن الغرائبية وعن السخرية والاستهزاء التي لاحقتها منذ زمن، وقريبة من الاهتمام الشعبي لأغلب أفراد المجتمع ومن الإحساس بأهميتها، وذلك من خلال الأبحاث الأكاديمية المتعددة، والمتناسلة كل سنة، أو من خلال الندوات الفكرية والثقافية التي تعقد هنا أو هناك، أو من خلال الاهتمام الإعلامي الجاد والذي ينقلها من ثقافة شعبية شفهية إلى مستوى ثقافة الصورية أو السمعية.
وعلى الرغم من هذا التوجه الملحوظ ومتسع القنوات، إلا أنه لم يحظ بالدراسة المستفيضة بالرغم من اتساع أنماطه بين أشعار شعبية، وأمثال، وأحاجي، وحكم، وخرافات، وأساطير.
وعندما أردنا أن نتبيَّن ملامح الشخصية في الجزيرة العربية كان تتبع فنونها وآدابها الشعبية أمراً يلح علينا بهذا التتبع والذي لم يكن حصريا بكل المقاييس وإنما كان اختيارياً لنماذج قد تتيح لنا الولوج إلى كنه الشخصية عبر العصور السحيقة وحتى نهايات القرن الثامن عشر الميلادي للحفاظ على صفاء الشخصية في مكنونها العربي الذي لم يكن له ذلك الاختلاط فيما تبعه من عقود. كل ذلك لأن الثقافة التي تنتمي إلى شعب ما هي مجموعة مكتسبة من الخصائص والصفات ترسم للإنسان خصائص معينة للسلوك، تقوم على مجموعة من المثل والقيم والمفاهيم الموروثة، يتمسك بها ويحرص على الحفاظ عليها. هذه الخصائص والصفات تتوافر لديه انطلاقاً من العصور والأجيال السابقة وذلك نتيجة للتطور العقلي، والوجداني، والاجتماعي، والثقافي، والذي عرفت مراحل حياته، فهي التي ترسم معالم الحياة الإنسانية وتصنع تاريخ البشرية، وتحدد الواقع المعيش، وترسم المستقبل، الذي يتصور الإنسان خصائصه وأساليبه، وبالتالي تحافظ على الارتباط به وعدم الانفصال عنه.
ولذلك اكتسبت الثقافة الشعبية موقعاً مهماً في صفوف العلوم والمعارف وبين الباحثين والأكاديميين، فالشخصية في أي بنية اجتماعية هي عصارة هذه الثقافة إن لم تكن هي نفسها. وذلك لسبب مهم وشديد الارتكاز وهو إثبات الذات، وتوازن الشخصية بأبعادها الاجتماعية والنفسية في علاقتها بدواليب الأنساق الأخرى المجتمعية، ولهذا فإن كل باحث في الشخصية بجميع أبعادها، عليه بتحليل هذه الثقافة الشعبية لأنها تحمل البينات المضمرة للمجتمعات.
ولذلك لم يعد الهم الأكبر لدينا هو الجمع والوصف كفلكلور، بل يتوجب الأمر إلى التحليل والتفسير والدراسة المستفيضة للوصول إلى صفات الشخصية في هذا المكان وكيف كانت عبقريتها في التعامل معه رغم قسوته وسلطته عليها، كما أنه يجعلنا نصل إلى بنيان الفكر والخيال باعتبارهما مكونين مهمين من مكوناتها لأنها القانون القيمي لمعايشة مكان -مثل الجزيرة العربية- والذي فرض سلطته عليها قسرا.
وفي هذا الوقت الراهن والذي أصبحت فيه الثقافات متمازجة، كانت المملكة حريصة في رؤيتها على إقامة الهيئات الثقافية بجملتها، ليس لاستعراض هذه الثقافة فحسب وإنما لاستخلاص مكوناتها الفكرية في بنيتها الاجتماعية العميقة، والتي استقرت الدراسات الأثرية على عهد الاستيطان البشري في الجزيرة العربية، إلى أربعين ألف سنة، كما دلَّت المستوطنات الأثرية في المنطقة الشرقية من المملكة على أن العهد بها يعود إلى أكثر من ألف عام قبل حضارة "سومر"، وبات كثير من علماء الآثار يميل إلى الاعتقاد أن الجزيرة العربية هي المهد الأول للساميين. هذه الثقافة والحضارة التي أثبتت الآثار الموجودة في "قرية" –التي تعرف باسم "الفأو"، والمنطقة الشرقية، و"العلا" و"تيماء"-، والتي تناولنا في كتابنا موسوعة الجزيرة العربية بعض "الموتيف" لهذه الآثار وهذه المناطق، كما أثبتت أن حضارة "الدادانيين" و"اللحيانيين" و"الأنباط" الذين توجد لهم آثار معروفة، وفي حالة جيدة، ولم تكن سوى امتداد للحضارات السابقة التي قامت في مناطق متعددة من أراضي المملكة العربية السعودية.
كل ذلك يُعد مكونا رئيساً من مكونات الشخصية والتي يتوجب أن تبرز بحضارتها الفكرية وسماتها الفيزيقية وأيضا في تعاملاتها اليومية المنتجة للحب والخير والسلام أمام العالم اليوم، وهو ما توصلنا إليه في نهاية بحث طويل ودقيق في كتابنا "الجزيرة العربية الهوية المكان.. والإنسان".




http://www.alriyadh.com/1902445]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]