تسجيل الدخول

مشاهدة النسخة كاملة : طالبان.. مراجعة للعقل المفكر



المراسل الإخباري
08-21-2021, 08:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
إنّ المقاومة الفكرية لدى المجموعات الدينية المتطرفة عالية جداً، وهي تملك قدرة هائلة كامنة تجعلها تبقى في الخفاء أو هادئة فترة طويلة دون أن تلفت الأنظار إليها، كما أنها قادرة على اختراق المجتمعات والنمو داخلها بشكل تراكمي..
بعض الأفكار تولد بأشكال متجددة، ويبدو أنها تعيد حضورها بإصرار مهما تغيرت الظروف أو تبدلت الأوضاع، خصوصا إذا كانت هذه الأفكار مرتبطة بالدين وبالمعتقد، إذ يصعب الانفصام عن هذه الجذور الرابطة بالأصل والمنبع، والانفكاك عن المرجعيات المشكلة للتصور الذهني حول العالم والكون لدى مجموعة من البشر.
لعلي هنا أتحدث عن طالبان التي عادت بقوة إلى حكم أفغانستان، وهي حديث الساعة هذه الأيام، فرغم كل ما مر بهذه المجموعة من تحديات وصعوبات ومد وجزر استطاعت المقاومة والحياة والعودة من جديد، حكمت وسقطت، ولم تستلم ثم عادت لحكم أفغانستان مرة أخرى، لعل المنصف لهذه المجموعة العنيدة سوف يتوقف عند العقل الحاكم الذي يوجه أفرادها ويحدد درجة التضحيات التي يفترض أن يقوموا بها من أجل مستقبل مجموعتهم، هذا العقل مرتبط بالإيمان والمعتقد، فالهدف واضح وصورة المستقبل واضحة من وجهة نظرهم ولا تحتاج أي تفكير أو إضافات يرونها غير ضرورية.
وسواء اتفقنا على كيفية حكم هذا العقل على الأشياء أو لم نتفق، فإنه يبدو لنا أنه مصرّ على الذهاب إلى نهاية الطريق حتى لو كلف هذا بقاء أفغانستان خارج التاريخ، إذاً نحن نتحدث عن عقل متحجر تابع لمسلمات تاريخية وغير حر، مكبل باشتراطات دينية تحدد ما يجب أن يكون سلفا ولا تسمح بأي اجتهادات، ولو حاولنا أن نفهم هذه الاشتراطات الدينية، سوف نجد أنها مجرد اجتهادات وتفسيرات متوارثة، لا يعني بأي حال أنها صحيحة أو مناسبة لوقتنا المعاصر، وسوف نجد أن العقل الحاكم للفكر عند طالبان يجدها اشتراطات مقدسة غير قابلة لأي حوار، آلية عمل العقل المفكر هنا تكون غالبا معاقة أو غير فعالة وغالبا ما تنتج أحكاما معروفة سلفا ولا تستطيع أن تتعامل مع المستجدات المعاصرة بمرونة، وفي كثير من الأحيان تمثل جدارا مصمتا رافضا للتجديد وتنحو إلى العزلة، العقل المفكر في هذه الحالة لا يرى الإعاقة الراكس فيها، بل يخطّئ كل من يخالفه، ويعتقد أن المسلمات التي تحركه وتوجهه هي مسلمات صحيحة وأبدية.
هذا يقودنا إلى التفكير في التيارات الدينية المتطرفة، ولا أقول هنا الإسلامية بل في جميع الأديان، فهي تيارات غير عقلانية، تلغي العقل وتحوله إلى جهاز تابع وليس جهاز مولد للأفكار والحلول، فالحلول عندها جاهزة ولا تتطلب أي ابتكار، وطالبان ليست بدعا في ذلك.
على أن ما يحدث هذه الأيام في أفغانستان يجعلنا نعيد التفكير في قدرة التيارات الدينية المتطرفة على الصمود والبقاء والصمت لعقود طويلة وتحين الفرص للظهور من جديد، ومن يراجع ما حدث خلال العقود الأخيرة في العالم العربي سوف يصل إلى نتيجة واضحة أن حداثة الخمسينات والستينات وحتى السبعينات قوبلت بانقلاب فكري واجتماعي في الثمانينات والتسعينات حتى وصل الأمر إلى ما نراه اليوم من تشرذم فكري وصعود لتيارات دينية متطرفة، طالبان مكثت 20 عاما في المهجر كقيادة وفي الميدان في مواجهة خصومها، وفي آخر الأمر عادت لتحكم أفغانستان.
الأمر مقلق إلى حد كبير ويتطلب إعادة التفكير في الآليات التي تصنع العقل المفكر في منطقتنا، فأنا أرى أن هذه الإخفاقات الدورية المتكررة على مستوى صناعة العقل الحديث هي نتيجة للتنشئة التعليمية والاجتماعية غير المتوازنة، كما يجب أن نؤكد أن المقدرة على تحرير العقل وبناء المؤسسات التي تهتم بصناعة الفكر لم تتطور في حضارتنا بشكل متراكم، فقد تكون ظهرت بعض المحاولات لكن غالبا ما يطغى العقل الساكن التابع على أي حراك فكري وهذه الظاهرة ممتدة منذ البدايات، أي من القرون المبكرة المؤسسة للحضارة الفكرية لدينا، قد يرى البعض أن في هذا الحكم إجحافا للمنجز الحضاري العربي والإسلامي، ولكن في واقع الأمر أن مقدرة العقل الساكن المتطرف على وأد الأفكار الجديدة المتحررة واضح تاريخيا ويمكن تتبع حركات صعود الأفكار الجديدة وسقوطها وأسباب هذا السقوط المتكرر بكل وضوح.
لعلي أختم المقال بالقول إن المقاومة الفكرية لدى المجموعات الدينية المتطرفة عالية جدا، وهي تملك قدرة هائلة كامنة تجعلها تبقى في الخفاء أو هادئة فترة طويلة دون أن تلفت الأنظار إليها، كما أنها قادرة على اختراق المجتمعات والنمو داخلها بشكل تراكمي وتتسلل لنظم التعليم وتتداخل مع تفاصيل أنماط الحياة لتولّد نفسها من جديد، وأرى أن مقاومة هذه المقاومة لا يتحقق من خلال محاولة إلغائها وتهميشها، بل من خلال دمجها واستيعابها وإعادة تركيبها وجعلها تفكر بمنهج وأسلوب مختلف.




http://www.alriyadh.com/1902743]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]