المراسل الإخباري
08-21-2021, 08:11
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png تقرر صبية اسمها تانيا سعيد خلف أن تصوّر فيلماً عن ضيعتها "رومية"، الواقعة على تلّة جبلية جميلة مطلّة على بيروت، تنتقل بكاميرتها بين كبار السن، من بيت إلى بيت، وتوثق لحياة فريدة من نوعها، نرى ما يشبهها في أفلام عالمية، ونقرأ عنها في روايات مماثلة كتبها كبار أدباء العالم.
تانيا التي صورت ما يفوق الخمسين ساعة من حكايات رواها كبار الضيعة، لم تعرف ربما أن الوقت الذي لزمها للمونتاج وأشياء تقنية أخرى سيكون كافياً ليأخذ أغلب من تحدّثت إليهم إلى الرّفيق الأعلى، لكن هذا الأمر لن يكون محزناً لأهل الضيعة الذين اجتمعوا أمام شاشة عرض في الهواء الطلق في ليلة الثامن عشر من آب لمشاهدته.
يطلُّ الراوي الشهير "جدو مايك" بكل أناقته على الجمهور فيعلو تصفيق الجمهور، لقد كان الرّجل محبوباً بشكل لا يمكن اختزاله بلغة، وهو اليوم بعد وفاته بأكثر من خمس سنوات يأخذ دور البطولة في فيلم تانيا، ويسافر بنا إلى عمق تاريخ رومية، إلى العهد العثماني وزمن المجاعة، إلى سقوط ذلك العهد، وتعاقب التغيرات التي حملها الانتداب الفرنسي، والتدخل الإنجليزي، والإرساليات، إلى زمن ما قبل كورونا بقليل.
وكما في الأفلام التوثيقية عالية الجودة تبرز مخرجتنا جماليات المكان من خلال مشاهد بانورامية للبيوت الحجرية القديمة، ولنسيج غابات الصنوبر المحيطة بها، وجنائنها، ودروبها، وحركة الحياة فيها.
في الضيعة الجميع يعرف الجميع، ولا شيء يمكن أن يفلت من "رادار" مراقبتهم، وثرثرتهم، وإن بدت الحياة فيها كما في كل القرى راكدة وبطيئة، إلا أنها غير ذلك تماماً.
هذا غير العلاقة الوثيقة بين كل الأجيال بضيعتهم، يسافرون إلى كل أصقاع الدنيا ويعودون إليها، يملكون أراضٍ وبيوتاً، لا يبيعونها حتى في أقسى أوقات العوز، بل يبحثون عن لقمة العيش في المهجر، أينما كان، في إفريقيا أو أوروبا أو أميركا أو أستراليا، ويعيلون آباءهم وأقرباءهم، قبل عودتهم حينما يتقاعدون.
في سهرة عرض الفيلم بعد الغروب بقليل، أعيدت الحكاية اللبنانية بحذافيرها على الأسماع والأذهان، وهي حكاية لا تعطي أي تفسير لارتباط اللبناني بضيعته، واعتباره لها عاصمة أبدية لقلبه، وجنّة كونية لا مثيل لها، فهذا البلد الذي تقضمه الطائفية مثل قطعة بسكويت، يحافظ على ميزاته الثمينة في قُراه، وقد كانت المفارقة في قمّتها ونحن نتابع الفيلم أمام شاشة ضخمة، في أجواء أقل ما يقال عنها أنها رائعة، تبعها ما يشبه كوكتيلاً وحفلاً موسيقياً، فيما بيروت في آخر المنحدر الساحلي تغرق في عتمة كاملة، قبل الأزمة ومن المكان نفسه كان يمكن رؤية بيروت متلألئة، مثل ملكة جمال تشهد تتويجها كل ليلة.
يمكننا اعتبار تجربة تانيا سعيد خلف عبر فيلمها "الضيعة" من التجارب الثقافية التي يجب تثمينها، فحين تقضي الصراعات السياسية على أحلامنا، تنقذنا الثقافة من الاندثار.
http://www.alriyadh.com/1902742]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]
تانيا التي صورت ما يفوق الخمسين ساعة من حكايات رواها كبار الضيعة، لم تعرف ربما أن الوقت الذي لزمها للمونتاج وأشياء تقنية أخرى سيكون كافياً ليأخذ أغلب من تحدّثت إليهم إلى الرّفيق الأعلى، لكن هذا الأمر لن يكون محزناً لأهل الضيعة الذين اجتمعوا أمام شاشة عرض في الهواء الطلق في ليلة الثامن عشر من آب لمشاهدته.
يطلُّ الراوي الشهير "جدو مايك" بكل أناقته على الجمهور فيعلو تصفيق الجمهور، لقد كان الرّجل محبوباً بشكل لا يمكن اختزاله بلغة، وهو اليوم بعد وفاته بأكثر من خمس سنوات يأخذ دور البطولة في فيلم تانيا، ويسافر بنا إلى عمق تاريخ رومية، إلى العهد العثماني وزمن المجاعة، إلى سقوط ذلك العهد، وتعاقب التغيرات التي حملها الانتداب الفرنسي، والتدخل الإنجليزي، والإرساليات، إلى زمن ما قبل كورونا بقليل.
وكما في الأفلام التوثيقية عالية الجودة تبرز مخرجتنا جماليات المكان من خلال مشاهد بانورامية للبيوت الحجرية القديمة، ولنسيج غابات الصنوبر المحيطة بها، وجنائنها، ودروبها، وحركة الحياة فيها.
في الضيعة الجميع يعرف الجميع، ولا شيء يمكن أن يفلت من "رادار" مراقبتهم، وثرثرتهم، وإن بدت الحياة فيها كما في كل القرى راكدة وبطيئة، إلا أنها غير ذلك تماماً.
هذا غير العلاقة الوثيقة بين كل الأجيال بضيعتهم، يسافرون إلى كل أصقاع الدنيا ويعودون إليها، يملكون أراضٍ وبيوتاً، لا يبيعونها حتى في أقسى أوقات العوز، بل يبحثون عن لقمة العيش في المهجر، أينما كان، في إفريقيا أو أوروبا أو أميركا أو أستراليا، ويعيلون آباءهم وأقرباءهم، قبل عودتهم حينما يتقاعدون.
في سهرة عرض الفيلم بعد الغروب بقليل، أعيدت الحكاية اللبنانية بحذافيرها على الأسماع والأذهان، وهي حكاية لا تعطي أي تفسير لارتباط اللبناني بضيعته، واعتباره لها عاصمة أبدية لقلبه، وجنّة كونية لا مثيل لها، فهذا البلد الذي تقضمه الطائفية مثل قطعة بسكويت، يحافظ على ميزاته الثمينة في قُراه، وقد كانت المفارقة في قمّتها ونحن نتابع الفيلم أمام شاشة ضخمة، في أجواء أقل ما يقال عنها أنها رائعة، تبعها ما يشبه كوكتيلاً وحفلاً موسيقياً، فيما بيروت في آخر المنحدر الساحلي تغرق في عتمة كاملة، قبل الأزمة ومن المكان نفسه كان يمكن رؤية بيروت متلألئة، مثل ملكة جمال تشهد تتويجها كل ليلة.
يمكننا اعتبار تجربة تانيا سعيد خلف عبر فيلمها "الضيعة" من التجارب الثقافية التي يجب تثمينها، فحين تقضي الصراعات السياسية على أحلامنا، تنقذنا الثقافة من الاندثار.
http://www.alriyadh.com/1902742]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]