المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعالي الخفي



المراسل الإخباري
08-26-2021, 15:16
http://www.alriyadh.com/theme2/imgs/404.png
على الإنسان العناية بنفسه وإصلاحها ومحاولة أن يماثل ظاهره باطنه في الصلاح، وعليه أن يعرف أن السريرة لا يُمكن أن تنطوي على خلقٍ إلا وانعكس على التصرفات والسلوك، فإن كان ما انطوت عليه خيراً حمدت عقباه..
يُدركُ العقلاء قبح إظهار التعالي وحديث الإنسان عن نفسه بتفخيم قدره لغير ضرورةٍ اقتضت ذلك، فلا يُقدمُ أحدهم على تعداد محاسنه وتزكية نفسه إلا لداعٍ دعاه إلى ذلك كالرد على من هضمه حقه، واستهان به، أو إبراز مكانته لمن هُمْ بصدد أن يستفيدوا منه على غرار قول الصديق يوسف عليه السلام للملك: (اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيم)، وغير ذلك من المسوغات التي قد توجد بالفعل، وقد يَدّعى أنها موجودة، لكن على كل حالٍ ليس من شيم العاقل أن يقف في مجلسٍ غاصٍّ بالناس ويسرد محاسنه وخصائصه ومزاياه من غير أن يكون وراء ذلك سبب مهيِّجٌ حمله على هذا، لكن الإشكال أن كثيراً من الناس يُخفي التعالي، ويتحاشاه في كلامه، لكنه ينطوي على أصنافٍ منه من حيث يدري أو لا يدري، وتصاحبه السلبيات الناتجة عن ذلك التعالي، فلم يستفد شيئاً من خلال إخفائه؛ لتضرره به، وفيما يلي ذكرٌ لنماذج من التعالي الخفي:
أولاً: تعاظم بعض الناس في آرائه بشكلٍ خفيٍّ، فلا يتباهى في كلامه بصحة رأيه، لكنه يُسِرُّ في نفسه التعاليَ فوق غيره، فلا تسمح له نفسه بأن يستشير غيرَه، ويقتبس من عقول الناس وتجاربهم، ويأتي هذا التعالي من خلال أن تحدثه نفسه بأنه لو أتى إلى فلانٍ واستشاره لكان هذا اعترافاً منه بأن فلاناً أدرى منه وأعقل وأكثر خبرةً؛ ولكون هذا يُمرِّغُ أنف تعاليه تراه يُحجمُ عنه ولو أدى ذلك إلى أن يعرِّض مصالحه للفوات، فلا يكاد العاقل يجهل أن ترك الاستفادة من تجارب الناس مُفوِّتٌ للمصالح، وإنما يُقدمُ المتعالي على ذلك؛ لأنه تخيَّل أن المكانة الوهمية التي يحتفظ بها من خلال الترفُّع هي من قبيل المصالح، بل من أهمها وأكثرها أولوية، فآثر عدم التفريط فيها، ولا شك أن هذا حرمانٌ لا يُوجدُ له توصيف أدقُّ من أنه بلاءٌ ينبغي للمبتلى به أن يدعو ربَّه ليرفعه عنه، وأن يحاول التخلص منه، فإن الشُّورى لو كانت فيها غضاضة على المستشير لم يأمر الله بها نبيه صلى الله عليه وسلم في قوله: (وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ)، ولم يجعلها من صفات عباده المثنى عليهم في قوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ)، وقد صدق من قال:
إذا بلغَ الرأيُ الـمَشورةَ فاسْتَعِنْ
بِعَزْمِ نَصيحٍ أو بِتأييدِ حازِمِ
ولا تَجْعلِ الشُّورى عليكَ غَضاضةً
مَكانُ الخوافي نافِعٌ للقَوادِمِ
ثانياً: التعالي الخفيّ في العلم، فالمتعلم يُدرك أنه من الممجوج المستهجن تزكيته لنفسه وإشادته بمستواه العلمي بلا داعٍ، فإن سَلِمَ من مُعضلة حُبِّ التعالي فذاك هو الظنُّ به، وتلك عافيةٌ رُزقها وعليه شكر ربه عليها، وإن كان مُبتلى بحب التعالي بعلمه، فلن يتجاسر على أن يُعلن التبجح بتفوقه العلمي، بل ينطوي على ذلك في سريرته، فيجني المرَّ من ثمراتِ ذلك، سواء استشعر أنه مرٌّ أم ألهتْه النشوةُ بتعاليه عن إدراك أن صفقته خاسرة، ويظهر أثر تعالي المتعلم في أمورٍ منها: تناسي مكانة أساتذته، بحيث يتملّص من تقديرهم كما ينبغي وكما يستحقون، وإنما يبخسهم حقهم من ذلك؛ ليظهر على أنه ندٌّ لهم؛ ولكيلا يظنَّ الناس أنه دونهم في العلم، كما أن من آثار التعالي المعرفي العزوف عن الاستفادة من الأقران المتمكنين في تخصصاتهم، وأخطر من ذلك الاستفادة من جهودهم سرًّا مع التجافي عن الاعتراف بذلك والكفّ عن نسبة ما أخذ من علومهم إليهم في البحث ونحوه، وهذا تكبُّرٌ يحجب عن العلم ويقعد بصاحبه عن بلوغ درجات المحصلين فالأمر كما قال بعض السلف: (إِنَّ هَذَا الْعِلْمَ لَا يَتَعَلَّمُهُ مُسْتَحٍ وَلَا مُتَكَبِّرٌ).
ثالثاً: التعالي على من يخالطه من الناس بالمبالغة في الانقباض عنهم، وترك ما ينبغي من حسن معاملتهم، مع أن من ينزوي عن أكفائه أو زملائه أو أقربائه ويُقصِّرُ فيما ينبغي من التواصل معهم قد لا يجرؤ على أن يُفاتحهم بالإفصاح عن أنه فوقهم وأنه أرفع من الجلوس معهم وزيارتهم واستزارتهم والعناية بأفراحهم وأتراحهم، فيلجأ إلى ترجمة ما اعتقد من هذا بالأفعال، وهيهات أن تتلاشى آثار ما استقرّ في القلب؛ فإن ملكيته وسلطته على الجسد أفخم من أن لا تَظهر آثار ما فيه، فعلى الإنسان العناية بنفسه وإصلاحها ومحاولة أن يماثل ظاهره باطنه في الصلاح، وعليه أن يعرف أن السريرة لا يُمكن أن تنطوي على خلقٍ إلا وانعكس على التصرفات والسلوك، فإن كان ما انطوت عليه خيراً حمدت عقباه، كما قالوا: (من طابت سريرته حُمدت سيرته)، وإن انطوت على دخَنٍ ظهرتْ آثاره السلبية.




http://www.alriyadh.com/1903725]إضغط (>[url) هنا لقراءة المزيد...[/url]